القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / المشهد السياسي : شعارات جوفاء / Video Streaming

إن الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد والتحديات المصيرية والوجودية التي تواجهها ، تفرض معالجة أكثر عمقا وواقعية وشمولية لمسألة الحريات الأساسية وحقوق الإنسان ، خاصة وأن الأوضاع العالمية السائدة فرضت مقاربات جديدة في هذا المجال ، إذ تخلت الديمقراطيات الكبرى التي دأبت على التبشير بالحريات منذ عقود عديدة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها ، عن أسلوب الدفاع الآلي عن الحقوق  الفردية والجماعية بدعوى ” الواقعية ” الذي تحتمها صيانة أمنها القومي ، و” البرغماتية” التي تمكنها من معالجة الأزمات العالمية المستفحلة والتحولات والتغييرات المتسارعة ،  فبهدف صيانة مصالحها الإستراتيجية تجاوزت هذه البلدان تشريعاتها ودساتيرها والمواثيق الدولية لتقترف إعتداءات صارخة على أبسط الحريات وحقوق الإنسان كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية بإقرار إدارة الرئيس ترامب منع دخول مواطني سبعة دول إسلامية من دخول ترابها وإلغاء قرعة عبور أراضيها والإستقرار فيها ووضع الأجانب تحت المراقبة الأمنية وإطلاق النار دون تردد على المشبوهين، والموقف المتصلب للحكومة الفرنسية تجاه الهجرة ، والذي ينسجم تمام الإنسجام مع مواقف اليمين المتطرف الذي إكتسح مواقع كبيرة في البلدان الأوروبية وأعاد ظاهرة العنصرية إلى ما كانت عليه قبل وخلال الحرب العالمية الثانية ، وقانون الإرهاب الفرنسي الجديد الذي يبيح مداهمة مقار المشكوك فيهم دون إذن قضائي
علينا أن نفكر في مصالح بلادنا بعيدا عن الشعارات الرنانة التي تخلى عنها مبتكروها في الغرب الأطلسي ، والإنكباب بجدية وواقعية ، على معالجة الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، التي إستفحلت في البلاد بشكل ينذر بأشد المخاطر ، بعيدا عن الأجندات الداخلية والخارجية ، والحسابات الخاطئة ، والمصالح الحزبية والشخصية الآنية الزائلة ، لأن المطلوب الآن هو حماية الأمن القومي للبلد وتثبيت مقومات الإستقرار فيها ، وبالتالي زرع الأمل في قلوب المواطنين التي حطمها الإحباط ودمرتها خيبات الأمل المتراكمة
لا بد ، والحال تلك ، من إعادة التنافس السياسي إلى مرجعيته الأساسية المرتكزة على القيم الحامية لأمن اليلاد وسيادتها ومناعتها ،  لأنه خرج ،  وبشكل منفلت ، عن منظومة هذه القيم ، وأصبح يهدد ما تبقى من مظاهر إستقرار في البلاد. لا يشك أحد في أن تجاوز هذه الوضعية المتردية يمر أولا من إجتثاث مدلول العنف والتحريض والتهديد من الخطاب السياسي والإعلامي السائد  لأن تراكم العنف اللغوي في المضامين السياسية والإعلامية يؤدي إلى تفشيه في الشارع ، لذلك فإن القوى السياسية والإجتماعية والإعلامية الفاعلة والمؤثرة في البلاد مدعوة إلى تليين خطابها وجعله محملا بالقيم  والمبادئ التي نحتاجها في هذا الظرف الدقيق والعسير من مسيرة البلاد
من هذا المنظور يصبح من واجبنا إعادة تقييم أوضاعنا وتقدير حجم التحديات الداخلية والخارجية المنتصبة أمامنا ، وطول الطريق التي علينا أن نسلكها قبل الوصول إلى تلك المرتفعات التي تضيئها الشمس  ، كما وصف الزعيم البريطاني الراحل ” تشرشل” فضاءات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. فلا تحقيق لهذه القيم دون إعتراف بنسبيتها وبأنها ولدت يوم ولد القانون ولا تتعارض مع متطلبات حماية الأمن القومي للبلاد ، وشروط وٱلتزامات السلوك المدني والوطني للأفراد والجماعات . من المؤسف أن ما يحدث في بلادنا مخالف لكل هذه الإلتزامات ، فالأغلبية في الساحة السياسية تهزأ بها وتلوح بشعارات مغذية للفوضى والإنفلات والتطاول على القوانين والتشريعات وعلى الدولة ومؤسساتها ، ليس من باب الإيمان بتلك الشعارات ومضامينها ، وإنما إيغالا في الإنتهازية وسعيا لخدمة أجندات ومصالح داخلية وخارجية متعددة ، وقد شاهد الشعب كيف أن أكثر السياسيين في بلادنا دفاعا عن حقوق الإنسان تحولوا إلى أول منتهكيها عندما فرضت مصالحهم ذلك ، وكيف أن أكبر دعاة تطبيق الديمقراطية وغلاة المتعصبين لها تحولوا إلى مشككين في آلياتها ونتائجها عندما إنهزموا في الإنتخابات

 

المصدر: الصريح


TH1NEWS