واستعرض الأستاذ الجامعي والباحث بوبكر خلوج والذي وحده تحصل على نسخة من المشروع من صديق فرنسي عن طريق الصدفة تفاصيل هذا المشروع في ندوة «الخيمة والنخلة لحوار الثقافات وتنمية السياحة والصناعات التقليدية» التي التأمت بمناسبة مهرجان الصحراء الدولي بدوز.
مضيفا: "أعد المشروع بتكليف من وزير التعليم العمومي الفرنسي وبهذه الصفة أراد محرره أن يكتسي صبغة علمية وله مرجعيات تقنية تخص طبيعة الارض والتركيبة الجيولوجية للاتربة ومسالك المياه وتضاريس المحيط الطبيعي للمنطقة بما فيها من مرتفعات ومنخفضات.. الواضح أن رودار له هاجس كبير من خلال فكرة البحر الداخلي. هذا الهاجس هو ربط ثقافة البحر بثقافة الصحراء أي ربط ثقافة أهل البحر بثقافة أهل الصحراء. ويعتقد أن هذا الربط ممكن ففي ظنه البحر الداخلي يختصر المسافة التي تفصل البحر عن الصحراء ويعتقد إن حضارة جديدة يمكن أن تولد نتيجة الاحتكاك بين أهل البحر وأهل الصحراء.ثم أن لدى رودار فكرة قاسية عن الصحراء من خلال قسوة المناخ ووجود حيوانات خطيرة كالافاعي . ويعتبر رودار أيضا أن الصحراء في عزلة ومن هذه المنطلقات أراد رودار من خلال مشروعه التقليص من هذه العزلة وخلق وسيلة اتصال.".
وحول قرار رفض مشروع رودار بينما تم قبول مشروع قنال السويس والمشروعان تقدما في نفس التاريخ, قال الباحث التونسي: "لأسباب ذكرها رودار في نفس التقرير انطلاقا من دراسة البعثة الايطالية التي سبقته والتي كانت لها نفس المنطلقات ولكنها امنت بالعوامل المناخية والمتمثلة في ارتفاع اليابسة عن البحر وأن الفرق بين مستوى البحر ومستوى اليابسة أكثر بكثير في حالة شط الجريد عما هي عليه في قنال السويس. والحجة الثانية التي ذكرتها البعثة أن تزيد تبخر المياه وإرتفاع الرطوبة سيزيد من كميات الامطار ومن النتائج المحتملة أن منطقة الجريد ستغرق بطوفان البحر الداخلي وبمفعول الامطار الجديدة. ثم هل سيبقى البحر بحرا رغم كثافة التبخر والاهم من كل هذا ما هو مصير النخلة في سياق هذه التحولات المناخية".
وختم بالقول: "رودار هو من الحالمين شأنه في ذلك شأن جلفارن الذي كانت له افكار استشرافية مثالية و حتى طوباوية ولكن لها منطلقات ورودار حاول اقتراح اقتصاد بديل بالنخلة وربما لعدم معرفته الدقيقة بالنخلة وبقيمتها الحقيقية فهو يعتقد في امكانية تعويضها بمصادر رزق أخرى.. اردت إظهار الصورة التي كان يحملها الغرب على الصحراء والحاجة الى الاتصال انذاك ولكن اليوم وبفضل التقدم التكنولوجي والعمل التنموي في البلاد فان الصحراء لم تعد رمزا للعزلة انها محيط طبيعي بديل وهي فضاء سياحي جديد بالاضافة الى توفر وسائل النقل ووسائل الترفيه والرفاهة.. أعتقد أن البحر يقلص من ملوحة المياه فهو يخلق رطوبة جديدة وهذه الرطوبة يمكن أن تتحول الى مياه عذبة ومن الايجابيات التي استعرضها رودار هو ان ارتفاع الرطوبة والحرارة يؤدي الى بروز فلاحة جديدة وهي زراعة القطن بالاضافة الى خلق نمط جديد من الحياة والعمران ولكن أعود وأؤكد أن رودار من الحالمين".
تونسة المشروع
بعد الإستقلال, يظهر أن أول حكومة تونسية تعهدت بهذا المشروع سنة 1957 لكن صرفت عنه النظر لأسباب غير معلومة بالضبط قد تكون فنية أو مالية.
ويرى باحثون أنه على المدى المتوسط يسمح هذا المشروع لاحقا بتركيز العدد الكافي من محطات تحلية المياه في عمق الجنوب الغربي بما يعني ذلك من حلول لمشكلة شح المياه ومن تحويل عشرات الآلاف من الهكتارات من الأراضي المهملة والجرداء إلى مناطق سقوية، خضراء ومنتجة للخيرات، فضلا عن إحداث أحواض لتربية الأسماك وتهيئة شواطئ اصطناعية تكون مراكز للترفيه وللسياحة الداخلية لطالما حرم منها متساكنو هذه الجهات، وغيرها كثير من الأنشطة ذات العلاقة.
وكل هذه العوامل من شأنها أن تثبّت سكان هذه الجهات في مناطقهم.
وعلى مستوى آخر، ووفق نفس المصادر, فالأكيد أن مشروع تحويل شط الجريد وصولا إلى شط الغرسة داخل التراب التونسي على الحدود مع الجزائر إلى بحر داخلي سيحظى بفائق اهتمام الجزائريين ودعمهم اللامشروط لإنجازه، فحلمهم كذلك بربط شط ملغيغ بالبحر الأبيض المتوسط يبقى قائما..
مطالب بإعادة إحياء المشروع..
“وخلال محاضرة عن التحديات الامنية والاستراتيجية والاقتصادية التي تواجه تونس دعا الخبير الدولي والسفير السابق الاستاذ حاتم بن سالم الى تجاوز" الحلول الترقيعية " و "المسكنات" .. وطالب بـ"احياء مشروع انجاز قنال بحري يربط السواحل التونسية وخليج قابس بشط الجريد والصحراء الغربية للبلاد ..مما سيساهم في الحد من الصبغة الصحراوية وشبه الصحراوية لغالبية مناطق الوسط والجنوب التونسيين .." وحول الكلفة المرتفعة نسبيا لمثل هذا المشروع الطموح والملاحظات الفنية التي قدمها بعض الخبراء اعتبر الاستاذ حاتم بن سالم ان " انجاز مثل هذا المشروع يمكن ان يلقى دعما ماليا مغاربيا وعربيا ودوليا.. وكلفته لن تتجاوز في كل الحالات مشروع " نخلة " في دبي مثلا ".. واعتبر الاستاذ بن سالم ان " التجمعات البشرية الجديدة والمشاريع الزراعية والتنموية التي ستقام بعد ربط غرب البلاد وشرقها عبر قنال بحري سيساهم في الحد من المخاطر الامنية ومن الارهاب ..كما سيوفر صيغا جديدة لحماية الحدود دون ترفيع النفقات العسكرية والامنية ..لان الانسان سيوفر " دروعا بشرية " في المناطق الصحراوية والحدودية شبه المهجورة حاليا ..والتي قد يستفيد المهربون والارهابيون من ضعف كثافتها السكنية في تنقلاتهم وعملياتهم "..”.