كتب الأمين الشابي
مبادرة رئيس الجمهورية حول موضوع المساواة في الميراث وامكانية الزواج بغير المسلم أسالت الكثير من الحبر والعديد من ردود الفعل داخليا و خارجيا و للتذكير كان رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي قال في خطابه، بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمراة، انه “من المطلوب ومن الممكن اليوم” تعديل قانون الأحوال الشخصية المتعلق بالإرث بصورة مرحلية متدرجة حتى بلوغ هدف المساواة التامة بين الرجل والمرأة وقرر إحداث لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة لدى رئاسة الجمهورية تتولّى إعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريّات الفردية والمساواة استنادًا إلى مقتضيات دستور 27 جانفي 2014، والمعايير الدولية لحقوق الانسان والتوجهات المعاصرة في مجال الحريّات والمساواة.
هذا الاعلان أثار العديد من ردود الفعل كما ذكرنا في البداية ونكتفي منها بما أعلنه حزب قوى 14 جانفي في بيان له يوم الاثنين 14 أوت 2017، عن رفضه القاطع شكلا ومضمونا لما جاء في خطاب رئيس الجمهورية وخاصة فيما يتعلق بالمساواة في الميراث وزواج المسلمة بغير المسلم وذلك طبقا لتعاليم الدين الاسلام. وشدد الحزب في بيانه على أنه لن يسمح بتمرير أي قانون مخالف لشرع الله مطالبا بالكف عن الاعلانات عن قرارات ارتجالية لا يتم فيها مراعاة الدين وإرادة الشعب ومصلحته.
وداخليا أيضا ما كتبه أحدهم في تغريدة له ” المساواة في الميراث.. ما ثماش مشكل تحبوا تعرسوا بغير المسلم .. ما ثماش مشكل خوذوا النصف في الميراث وعرسوا حتى بأبي لهب لكن زادة المساواة تقول وتفرض إلغاء واجب النفقة المحمول على الزوج ، المساواة تقول إلغاء تخصيص الزوج لوحده بواجب الإسكان ، المساواة تقول تخصيص نفس الامتيازات التي خصصها القانون للمرأة دون الرجل ، المساواة هي “فيفتي فيفتي” في كل شيء “
وفي كتاب الاستاذ عبد المجيد الشرفي مرجعيات الاسلام السياسي وفي النقطة 14 والمتعلقة بالميراث ، وبعد استعراض للآيات ولآراء الفقهاء ، يختم بالقول : ان ما يقال ، اذن ، من ان الآيات القرآنية صريحة في انها لا تسوّي بين الرجل والمرأة في الارث غير صحيح . نعم ، هناك بعض حالات منصوص عليها . ولكن المؤكد انه لا يمكن تطبيق تلك الآيات في كل الحالات الاخرى ، وانها ان مثلت في عصرها تقدما بالنسبة الى الحرمان التام الذي كانت تعاني منه المرأة ، لأنها لم تكن ترث اي شيء، فلا شك انه يمكن اعتبار ان هذه الآيات ، كما دعا الى ذلك الطاهر الحداد منذ 1930 في كتابه امراتنا في الشريعة والمجتمع ، انما مكّنت المرأة من حقوق مرحلية ، وانه يجوز للمسلمين اليوم ، وقد تطورت منزلة المرأة ، ان يستأنفوا هذا الذي بدأه القران ، ويتوصلوا الى التسوية التامة في الارث
أمّا خارجيا فكانت أهم ردود الفعل ما جاءت على لسان بعض الأشقاء المصريين حيث هدّد أحدهم بتشجيع الدواعش إلى الانتقال إلى تونس ومدّهم بالإمكانيات الضرورية لجعل حدّ لما ارتأته البلاد التونسية في موضوع الميراث وهدّد أيضا بضرب حصار على بلادنا ودعوة كل البلدان العربية و الاسلامية لمقاطعتنا. وسمح لنفسه بالتدخل في شؤوننا الداخلية…
السؤال هنا هل التوقيت لإعلان مثل هذه المبادرة كان مدروسا باعتبار ما يمكن أن يحصل من ارتدادات ربما عكسية لما هو منتظر منه؟ وهل كان التوقيت أيضا بريئا هدفه النهوض فعلا بشأن المرأة التونسية أم هي ضربة معلّم للحسم في دور المرأة في المحطات الانتخابية القادمة وحملها للوقوف إلى جانب سياسي ما..وهل ذلك يعدّ ورقة انتخابية تلعب على حبالها بعض الجهات من أجل ضمان النجاح في المناسبات السياسية المرتقبة؟
ولكن رغم كلّ هذا السيل من الأسئلة الحارقة و مهما كانت الدوافع و النّوايا الطيبة منها و البريئة و الخبيثة و المسيّسة ” وما فماس قطوس يصطاد الربي ” فإني أجزم وأن طرح مثل هذه المبادرات في وقت تعيش فيه بلادنا خاصة أزمة اقتصادية خانقة لا يخدم الوطن و لا المواطن بل ربما سيكرّس المزيد من الفرقة بين الشعب الواحد في وقت نحن في حاجة إلى اللحمة و التضامن لأنّ إثارة مثل هذه القضايا التي تتباين حولها الآراء باعتبارها تمّس حسب البعض من بعض الأحكام الصريحة التي جاءت في القرآن الكريم في موضوع الميراث – وهي قراءة ضيقة للنّص في نظري – ولكن أيضا لا بأس من الاجتهاد طبعا بعد التشاور مع أهل الذكر و العلماء لأنّ ديننا وتشريعنا ليس نصا جامدا بل ينبض حياة وعلى أهل الاختصاص إلاّ إنارة الرّأي العام .
وهنا أطرح سؤالا عاما وأمرّ ومفاده ماذا يضر العقيدة والدين لو ارتأت بلادنا المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى ولماذا جاءت الآيات القرآنية في هذا المجال بـ ” يوصي الله” ولم تكن أوامر قاطعة..؟
المصدر: الصريح