شاه يوميات ملاحظ حر : الطبقة الوسطى ضمانة لاستقرار الحكم أم خزان لمشروعية سياسية ؟

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / يوميات ملاحظ حر : الطبقة الوسطى ضمانة لاستقرار الحكم أم خزان لمشروعية سياسية ؟ / Video Streaming

كتب نوفل سلامة

لماذا ندوة علمية دولية حول الطبقة الوسطى في المجتمعات العربية في هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا يخصص المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ملتقى دوليا ضم باحثين وأكاديميين عرب وأجانب من دول مختلفة ليطرحوا سؤال هل ما زال للطبقات الوسطى في المجتمعات العربية من دور تلعبه في ضل أوضاع عربية متقلبة ومتحركة وفي ضل سياقات ورهانات متغيرة وفي ضل مرحلة تاريخية تشهد تراجعا ملحوظا لشريحة اجتماعية لعبت في السابق دورا في توفير الحزام الاجتماعي الضروري لضمان تواصل حكم النظام السياسي واليوم تعرف انزياحا نحو الطبقات الفقيرة والفئات المهمشة وتعرف محاولات لفك الارتباط عن النظام السياسي الذي استعملها خزانا انتخابيا دائما.

كان هذا هاجس الأيام الدراسية التي تظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات و احتضنها نزل « روايال « بمدينة الحمامات أيام 13 و 14 و 15 جويلية الجاري وهو قلق أجابت عنه الورقات العلمية التي قدمت ومنها الكلمة الافتتاحية التي قدمها رئيس المركز الدكتور مهدي المبروك والتي أطر بها اشغال هذه الندوة وأوضح من خلالها أنه على عكس الأيديولوجية التي ترى تآكل الطبقة الوسطى وانحصارها ونهايتها نحو اتساع دائرة الفقر والفقراء فإن العالم يتجه حسب تقرير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والعديد من الدراسات الرصينة نحو اتساع الطبقات الوسطى وتراجع دوائر الفقر و نحو استشراف مستقبل المجتمعات البشرية تلعب فيه الطبقة الوسطى دورا محوريا. فإلى أي مدى يصدق هذا التفاؤل ؟

إن المشكل الذي تناولته هذه الندوة هو كيف نفسر فشل السياسات التي راهنت على الطبقة الوسطى بعد ثورات الربيع العربي في اسناد النظام السياسي وإدامة الحكم ؟ وبماذا نفسر أن هذه الشريحة من المجتمع التي اشتغلت عليها الأنظمة الحاكمة في جعلها خزانا انتخابيا وحاضنة اجتماعية هي حسب الدارسين لثورات الربيع العربي هي من قادت بالثورة في الدول العربية وتمردت وكسرت طوق السيطرة وليس الطبقات الفقيرة كما يشاع ويروج ؟

بقطع النظر عن المعايير العلمية التي تعتمد في تعريف الطبقة الوسطى وتحديد مفهوما وملامحها فإن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات التي جاءت بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية العربية هي في غير صالح هذه الطبقة التي تقول عنها كل الدراسات التي تناولتها أنها ضرورية لاستقرار الحكم ودوام السلطة وأنها المؤهلة أكثر لاحتضان قيم الديمقراطية والحرية وهذا يتطلب مراجعة المناويل التنموية لتحسين وضعها باستمرار حتى لا تصبح هذه الطبقة عائقا نحو الديمقراطية حينما تتحول إلى فئات انتهازية زبونية أو عندما لا تفكر الا في مصالحها والحفاظ على مكاسبها أو عندما تستعمل وسيلة في امتصاص الرغبة في التحول نحو الديمقراطية لدى الشعوب.

ما أبرزته هذه الندوة العلمية أنه في الحالة التونسية فإن الطبقة الوسطى التي تظم فئات اجتماعية عديدة قد مثلت في سنة 2005 حوالي 83 % وشكلت قاعدة صلبة للحكم وحزاما سياسيا واجتماعيا للدولة قد تقلصت دائرتها وعرفت تراجعا بعد الثورة لتصبح في سنة 2015 في حدود 63 % نتيجة الأزمة الاقتصادية وتراجع المقدرة الشرائية ونتيجة إرهاقها بالضرائب وهي وضعية جديدة في مسار هذه الطبقة الاجتماعية التي تؤهلها كل الدراسات أن يكون لها دور فاعل في مستقبل الأنظمة السياسية وهي وضعية محيرة فهي من ناحية تبحث عن الاستقرار وجني المكاسب وتطوير من حالها و محاولة الاقتراب من طبقة الأغنياء فهي من هذه الوضهية لا يعول عليها في التحولات الديمقراطية وهي من ناحية أخرى ترفض توظيفها سياسيا وتحويلها إلى خزان انتخابي لذلك وجدناها بعد الربيع العربي متمردة محتجة غير راضية بوضعها وترفض أن تلعب مجددا دور المزين للنظام السياسي وواجهة يلمع الحكم وبها وجهه .

ما يمكن قوله في الحالة التونسية فإنه على خلاف العديد من البلدان التي تعتمد في حكمها على الطبقات المثقفة او على الطبقات الميسورة فإن الطبقة الوسطى التي تتميز براتبها الشهري وبنوعية التعليم الذي تختاره لأبنائها وبالأحياء والمساكن التي تسكنها تعتبر في تونس أساس الحكم والحاضنة الاجتماعية للسلطة والحزام الطبقي الذي تحكم به وهذا يعني أن نجاح الحكم في تونس هو في عدم الاستغناء عنها وفي رسم السياسات لتحسين من أوضاعها والتوسيع من دائرتها بدل التقليص من حجمها وارهاقها بالأعباء فالوقائع قد أثبتت أن الذي قام بالثورة ليس الفقراء والمهمشون وإنما الذي ثار على الأنظمة المستبدة هي الطبقات الوسطى وإن رفعت شعارت التشغيل والبطالة والعدالة الاجتماعية التي هي في الظاهر شعارات الفقراء في حين أن الذي خرج محتجا هي الفئات المتوسطة من الشعب التي تتميز بقدر من الوعي وقدرة على الحركة والتمرد فالفقير والمهمش يختار الهروب الفردي والحل الذاتي في حين الطبقة الوسطى تتحرك في مجموعات وكتل متضامنة وهي قادرة على التمرد متى شعرت أن مصالحها مهددة وقادرة أن تتخلى عن النظام السياسي الذي صنعها متى وقفت على إرهاقها واضعافها وهذا فعلا ما حصل في زمن حكم بن علي الذي عرفت فيه الطبقة الوسطى بدايات التراجع عن المكاسب الاجتماعية التي تحققت لها نحو ظهور فئات جديدة قريبة من العائلة الحاكمة احتكرت المنافع والمكاسب والامتيازات وهذه المسألة على الحكام الحاليين أن يقدروها حق قدرها ويحسبوا لها ألف حساب خاصة إذا علمنا حجم هذه الطبقة وقدرتها على التمرد وتميزها بتحرك ولاءها وعدم استقراره مع الأنظمة السياسية فالطبقة الاجتماعية التي حكم بها الرئيس بورقيبة قد تخلت عنه بسهولة والفئات الاجتماعية التي استعملها بن علي ومنحها امتيازات كثيرة قد ثارت عليهّ ورفعت في وجهه ذاك الشعار الشهير « إرحل «

المصدر: الصريح