كتب الطاهر بوسمة
جاء في الأخبار أخيرا ان اللجنة الحكومية المكلفة بمراجعة نظام دعم المنتوجات الاساسية اقترحت على الحكومة رفع الدعم تدريجيا على مراجل ثلاث، وتحويله نقدا لمستحقيه من ضعاف الحال للحد من تدهور المقدرة الشرائية.
انها في نظري خطوة جريئة في الطريق الصحيح تأخرت كثيرا وأرهقت ميزانية الدولة لسنين وقد سبق لي ان ذكرت ذلك منذ قرابة اربعين عاما لما تدخلت في نقاش قانون المالية في نهاية سنة 1979لما كان المرحوم الهادي نويرة وزيرا اول وعلمت انه استاء من كلامي الذي نبهت فيه لخطورة الدعم الذي تقرر بعد ارتفاع أسعار البترول والمواد الاولية إثر حرب أكتوبر1973 ورأت الحكومة نفسها في وضع يسمح لها بمغازلة الشعب بتلك الطريقة بالتخفيض في أسعار بعض المواد الغذائية التي لا تنتجها البلاد اصلا او تنتج منها ما لا يفي بالحاجة.
قلت عندها وكلامي مسجل علي في مداولات مجلس الامة الذي كنت نائبا فيه وهو مدون بالرائد الرسمي لمن يريد ان يعود اليه ليتأكد من ذلك بالحجة والدليل الذي يخطئ.
لقد نبهت الى خطورة تلك السياسة التي تعتمد على الغش والتزوير وقلت وقتها أما كان علينا تدعيم الانتاج وحماية المنتج كما تفعله البلدان الغربية وليس التشجيع على الاستهلاك الذي بموجبه يستفيد الفلاح الأجنبي والسائح الغريب الذي جاء لفترة بالاضافة لبعض الأغنياء فينا اذ طاقتهم الشرائية أكبر ونهمهم اعظم.
لقد تواصل العمل بتلك السياسة المغشوشة الى عهد الوزير الاول المرحوم محمد مزالي الذي جازف بتغييرها رغما عنه ولم ينجح لأسباب عدة ومنها تضعيف ثمن السميد والرغيف دفعة واحدة معتمدا في ذلك على قوة بورقيبة الذي أمره وتخلى عنه حفاظا على سمعته التي خاف عليها من التدهور.
كانت وقتها له فرصة لم يقع تنفيذها بحكمة في زمن العسرة وبالرغم من مسندة المنظمة الشغيلة له فيها بإمضاء اتفاق مشترك يضمن التعويض المالي المباشر للمستحقين للدعم، ولكن بورقيبة تخلى عن وزيره الاول الذي جدت عليه الفكرة لكنها ظهرت (منامة عتارس) ومن وقتها بات الحديث عن صندوق الدعم والتعويض او المس منه من المحرمات الكبرى وأصبح كل يوم يكبر ويتوسع ليشمل مواد أساسية اخرى مثل الطاقة والوقود والنقل ومواد التطبيب حتى بات غولا يلتهم كل الأموال المرصودة للتنمية والتصنيع وباتت تونس بسببه تقترض لتسديد المرتبات والاجور وبلغ عجز الميزان التجاري والدفعات الى مستوى ليس له حدود لمن يريد ان يعلم.
قلت ذات يوم وكتبت على أعمدة الصحافة الورقية والافتراضية الى متى تتجاهل الحكومات المتتالية ذلك الموضوع خوفا من ردة الفعل التي كانت تخافها وتخشى منها حتى غرقنا، وبات دينارنا يساوي نصفه في بضع سنين وما زال ينزل بدون أن يجد من يسعفه في الساحة وسبب لنا تشنجات اجتماعية واضرابات في القطاع الخاص والعام ودخلنا في دوامة جهنمية ولم نعد نقدر من الخروج منها.
قلت أما كان علينا الترفيع في سعر الرغيف عشرة مليم في كل عام ليصبح بعد تلك المدة الطويلة يساوي قيمته الحقيقة ونحفظه من التبذير وتقديمه علفا للأبقار ليتغير طعم لبنها ولحمها الذي بات كالحلفاء في الفم يتلوك.
ولكن كل حكومة تأتي ترمي بتلك الجمرة للتي تجيء بعدها لتكسب الوقت وتذهب وأصبحنا نخاف من ظلنا الذي بات الأصل ونحن الفرع.
لذلك اعتبرت هذا الاقتراح ان كتب له التنفيذ بداية للإصلاحات الكبرى المحمولة على عاتق هذه الحكومة خاصة بعدما تخلصت من ضغط الأحزاب وباتت مدعومة مباشرة من الشعب.
المصدر: الصريح
TH1NEWS