شاه خالد شوكات: في علاقة النداء بالنهضة.. كيف لتابع أن يتقدّم على متبوع؟

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / خالد شوكات: في علاقة النداء بالنهضة.. كيف لتابع أن يتقدّم على متبوع؟ / Video Streaming

قلت دائما – وأكرّرُ – للندائيين وأنصار النداء والذين صوّتوا له في الانتخابات، أنَّ ما حكم وسيحكم علاقة حركة نداء تونس بحركة النهضة، هي مصلحة تونس أوّلا وأخيرا، مصلحة تونس في أن تستمر ديمقراطية آمنة مستقرة وقادرة على مواصلة السير في طريق النمو، ولا شيء غير هذه المصلحة، فأحاديث البعض عن التبعية والتماهي والذوبان والتلاشي وما إلى ذلك من عبارات سلبية، إما مردّها الجهل، وهو أمر نعذره ونعمل على رفعه ما استطعنا، أو مردّه المكايدات والمؤمرات والحيل وألاعيب السياسة وهذا مكر سيّء لا يحيق إلا أهله وقد ردّ عليه الشعب في استطلاعات الرأي بأن جعل جماعته في أسفل السافلين، وسيخلدهم عملّيا في الانتخابات القادمة في الدرك الأسفل من إرادته كما خلّد جميع دعاة الفتن على مرّ التاريخ الإنساني. 

لقد سرّ كثير من الندائيين، خصوصا الأوفياء منهم لخط الرئيس المؤسس، لنتائج آخر استطلاع رأي منشور، أظهر تقدم النداء على بقية الأحزاب في نوايا التصويت، سواء في الانتخابات البلدية أو التشريعية، كما سبق أن أظهرت ذلك جميع الاستطلاعات التي أجريت ومن مصادر متعددة، ومن حق الندائيين السرور خصوصا وهم يتحمّلون العصيَّ تتهاوى على رؤوسهم من كل جانب، على أيدي الخصوم والأصدقاء على السواء، ومردّ أغلب ذلك فرية “التبعية” هذه، وما كان النداء “تبّعا” لأحد بل رسم طريقا له ولغيره، طريقا قويما للوطن أساسه الرغبة في تجنيب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وتحصين ديمقراطيتها الناشئة من كل خيانة أو ردّة. 

وقد أظهر استطلاع الرأي الأخير أيضا، أن النداء يتقدّم النهضة بعشر نقاط فارق في الاستحقاقين البلدي والبرلماني، وهذا التقدّم قد ظهر كذلك في استطلاعات الرأي السابقة، ولسائل أن يسأل إن كان النداء تابعاً للنهضة كما يفتري البعض فكيف لتابع أن يتقدّم على متبوع، وكيف لمتبوع أن يؤثر تابعاً على نفسه وبه خصاصة؟ 

أودّ قبل الاسترسال في بيان المحدّدات التي حكمت علاقة النداء بالنهضة منذ يومها الأول، التأكيد على أمرين:

أوّلا: إنّ من رسم مسار العلاقة العام هو الرئيس المؤسس الاستاذ الباجي قائد السبسي ولا أحد غيره، وقد حارب عندما استوجبت الحالة الحرب، وسالم عندما توفرت شروط السلم، على ضوء ما يحقق مصلحة الوطن لا مصلحة الحزب، فالحزب عند سي الباجي لم يكن -وما يزال- إلا وسيلة لتحقيق مصالح الوطن العليا، فالسياسة هي ما ينفع الوطن والمواطنين لا ما يحقق أحلام المرضى والواهمين.

ثانيا: إن خيار الصدام الدائم مع حركة النهضة، هو خيار موروث عن الحقبة الماضية، لا جديد فيه، أو هو عند البعض الآخر خيار ايديولوجي، في زمن انهارت فيه الايديولوجيات لاكتشاف الناس زيف ادعاءاتها وأولها امتلاك الحقيقة. وعلى الرغم من هذا الطابع الموروث من الحقبة “البنعليية” التي شيدت في جوانب منها على قمع الإسلاميين واضطهادهم، فإنني أجازف وأقول أنه لو كتب للرئيس بن علي نفسه الاستمرار في الحكم بعد ليلة 13 جانفي 2011، لما حافظ على هذه السياسة الاقصائية ولراجعها حتما، بل إن مؤشرات ووقائع عديدة تؤكد أنه كان متجها إلى مراجعتها لو لم تفاجئه الأحداث وتذهب به بعيدا إلى جدّة. وخلاصة القول هنا، إن سياسة الاحتواء التي اتبعها سي الباجي مُذ تولّى الحكم بعد الثورة، هي السياسة المناسبة لأنها كانت سياسة “جديدة” و”تقدمية” تستفيد من أخطاء الماضي وتعلي من مصلحة الوطن والديمقراطية. 

أما فيما يتعلّق بجوهر الموضوع، فأقول أن حركة نداء تونس لم تتنصل يوما من وعودها الانتخابية ولا انقطعت عن مرجعيتها في تمثيل الحركة الوطنية الاصلاحية البورقيبية، إذ لم يكن من وعود الحركة تنفيذ الانقلابات ولا اعادة البلاد لأجواء الاعتقالات السياسية والمحاكمات، بل كان من وعودها الحفاظ على المكتسبات وصون الحقوق والواجبات وتعزيز الإنجازات، وقد ساهمت كما وعدت تماما في إنهاء حكم الترويكا بما فيه من انحرافات، وشاركت بما تتيحه نتائج الانتخابات في إعادة بناء صيغة الحكم بما يساعد على تبديد المخاوف وترتيب الأولويات، ولا يظنّن عاقل أنّه كان من أهداف حركة نداء تونس يوما تنفيذ أجندات استئصالية كانت تعشش في أدمغة البعض من بقايا ستالينية خائرة أو سلطانية جائرة.

وليتأمّل كل عاقل في المشهد العام، سيجد الرئاسات الثلاث عند النداء، وسيجد النداء متقدّما في عمليات سبر الآراء، كما سيجد الخيار الوطني طاغيا في مقولاته وسياساته وتقييماته ومساراته على توجهات البلاد، فهل بعد كلّ هذا يحقّ لأحدهم بأن ينعت حركة الباجي قائد السبسي بالتبعية لأحد.. لقد رضينا الشراكة وفقا لثوابت الوطن وتحقيقا لمصالحه العليا، ولم يكن من طبعنا أو مرجعيتنا أن نتبع أحدًا، ولو اعتمد أي ميزان لتأكدنا من أننا في سلّم التابع والمتبوع الأكثر تأثيرا، فبالقدر الذي ندعو فيه العائلة الوطنية الإصلاحية الدستورية لإجراء المراجعة الفكرية الضرورية حتى تكون هذه العائلة في مقدمة بناة الديمقراطية، بقدر ما دعونا الآخرين لتعميق مراجعاتهم في اتجاه ترسيخ البعد الوطني لمرجعيتهم وسياستهم وتوجهاتهم.. ولكن ما عسانا نفعل مع من لا يريد إلا أن ينصّب نفسه وصيًّا ايديولوجيا ثابتا على الوطنية والديمقراطية؟.. ما يثلج الصدر أن العقل الجمعي لشعبنا يدرك تماما حقائق الاعتدال والوسطية ولهذا يجدد ثقته باستمرار في حركتنا.. حركة نداء تونس. 

*خالد شوكات: وزير سابق، ومدير مركز نداء تونس للدراسات

  • حركة النهضة، نداء تونس، خالد شوكات، استطلاعات الرأي

المصدر: حقائق