شاه فيلم “زيزو” لفريد بوغدير: لا للأيقونات المزيّفة التّي أنشأتها الثورة

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / فيلم “زيزو” لفريد بوغدير: لا للأيقونات المزيّفة التّي أنشأتها الثورة / Video Streaming

يشهد عدد من قاعات السينما بتونس عرض الفيلم الجديد “زيزو” أو “عطر الربيع” بالفرنسيّة  للمخرج القدير فريد بوغدير وذلك بعد غياب طويل منذ آخر عمل له وهو “صيف حلق الوادي” سنة 1996.

“زيزو” بين حمم البركان وفوقها

عزيز طالب الجيولوجيا والطبقات الأرضيّة، يسافر إلى تونس العاصمة في أفريل 2010 أشهرا قبل الثورة بحثا عن حلمه الشخصيّ، موعودا بزواج من إحدى بنات تاجر في سوق المنصف باي. كان يقول في نفسه “إنّ إمكانيّة تحقيق حلم ما، هي بالضبط التّي تجعل الحياة ذات أهميّة” مثلما قالها سانتياغو شخصيّة رواية الخيميائي لباولو كويلو. الحلم الذّي تمثّله تلك البذلة البيضاء التّي رافقت الشخصيّة الرئيسيّة على طول الأحداث.

 لم يجد التاجر الموعود، لكنّ الصدفة قادته إلى بعض تجار السوق جعلوه  يعمل كمركّب لاقطات فضائيّة، مهنة عمل فيها سابقا. وهنا بالضبط تبدأ القصّة. يحوّل قدر مجهول  “زيزو” من الطبقات الأرضيّة إلى أسطح المنازل وأسرارها. وكأنّ دواخل المنازل والمجتمع تحمل بدورها تفاعلات تنبئ بانفجار وشيك حينها، انفجرت فعلا وها أنّنا نشهد إلى الآن حممها والماغما التّي نشأت بداخلها.

 أراد القدر أن يجعل زيزو واقفا بين الأرض والسماء وشاهدا على كلّ الأحداث التّي ستلي. شاهد على الوكايل. على تغوّل الطرابلسيّة على السوق. على مؤامرات التجمّعيين والاسلاميّين وتحرّكات اليسار وهرسلات الأمن للحقوقيّين. على تونس المحبوسة في منزل أحد المتنفّذين من العائلة الحاكمة، الفتاة عائشة التّي تغطّي عريها القسريّ بالسفساري.

يحاول عزيز الشخصيّة البريئة، السلبيّة الغير قادرة على استيعاب التغيّر والتطوّر السريع للأحداث. وتتسارع الأحداث حول محاولات زيزو انقاذ عائشة. يكمن ذكاء كاتب السيناريو في اختيار مهنة عزيز برمزيّتها الكبيرة: مهنة يمكن أن يزاولها أيّ مواطن عاديّ وتسمح لمزاولها بالاطلاّع على أسرار الآخرين، وتملك ذريعة الدخول إلى داخل المنازل واكتشاف دواخلها.

الحياة الجميلة لزيزو

تذكّرنا البداية ببداية فيلم “الحياة جميلة” للمخرج الايطالي روبرتو بينيني. سيّارة تسير وسط فضاء واسع، مع اختلاف كبير في فيلمنا الذي ينطلق من فضاء قاحل. ومثلما كان بينيني يسرد مرحلة من مراحل الاضطهاد النازيّ لليهود في إيطاليا، فإنّ بوغدير بدوره حاول كشف النقاب على وضع تونس في أواخر 2010. الطابع الهزليّ الذّي يحيط بالأحداث من البداية إلى النهاية. قصّة الحبّ التّي كانت محرّك الأساسيّ. حتّى الشخصيّتان الرئيسيّتان تشبهان بعضهما في التعبير، سذاجتهما، طيبتهما، وعدم قدرتهما على متابعة تسارع الأحداث.

ما يشدّ المشاهد لعمل بوغدير هو انسيابيّة احداثه وسلاستها، كان السيناريو ممتازا والحوار رشيقا عدا بعض الكليشيهات مثل التظاهر في أنهج سيدي بوسعيد والشعارات التّي كان بالامكان التغاضي عنها. “الخطّاط بعثناه في عمرة” التّي جاءت على لسان أحد شخصيّات الفيلم، فيها الكثير من الرمزيّة. الخطّاط بن علي ذهب إلى السعوديّة، وبقيت اللّغة والخطّ نفسه والورقة البيضاء نفسها.

عصفور السطح الجديد: بطل رغم أنفه

ارتبط اسم المخرج فريد بوغدير في الذاكرة الشعبيّة ب “عصفور سطح”. والمتأمّل في قسمات الشخصيّة زيزو نرى نفس الانطباع: دهشة الاكتشاف، العجز عن التفاعل على ما يدور حوله. قد يعتبر أوّل الأمر مشاهد الفيلم أنّ ذلك إعادة لفيلم بوغدير الأوّل، لكنّ المخرج تعمّد ذلك عبر ما جاء على لسان أحد شخصيّاته في حواره مع زيزو”أنت عصفور سطح” وفي هذا اقرار ذكيّ من المخرج بمرجعيّته، لكن من الغباء التصوّر أن ذلك كان مجانيّا. ففي عصفور السطح نظرة من الداخل أما في زيزو تحليل من الداخل ونظرة إلى المستقبل  مفادها أنّ  التونسيّ بقي “طفلا” رغم أنّه كبر في السنّ. وأنّ تلك البذلة البيضاء، أو الحلم، ما زالت تبحث عن جسد لائق يلبسها.

اندلعت الثورة مع محاولة زيزو تحرير حبيبته عائشة، وذلك بمحاولة جلب فستان لها. أثناء هروب له من مركز الشرطة بعد اعتقاله يقطّع صورة بن علي، فيراه بعض الثوريّون ويحملونه على الأعناق. يصبح عصفور السطح الجديد بطلا رغم أنفه، وهو  لا يعرف كارل ماركس والشيخ إمام رغم دراسته الجامعيّة. في إشارة إلى قلّة ثقافة الطبقة الجديدة من الشبّان وانعزالهم عن الماضي. وتعبير من المخرج حول الأيقونات المزيّفة التّي أنشأتها الثورة. الأحداث نفسها التّي جعلت شخصيّة خرساء تنطق ب”DEGAGE”  وبدايات ظهور المحافظين وتعليقاتهم على صورة القبلة بين زيزو وعائشة “عيب…الرويّق هذا توّة انحيوهولكم”

فيلم جدير بالمشاهدة ويندرج ضمن قفزة السينما الجديدة في تونس وتألّقها العالميّ والعربي، وبانتظار عمل قادم لفريد بوغدير.

شوقي برنوصي

المصدر: الجمهورية