لن نرمي السيد الوافي بالطوب ولا بالحجارة، لن نخونه لن نزايد عليه في حب الوطن، لن نتهم احترافه وكفاءته لن نقول كما قال بعضهم تجنيا "متى يكون الرئيس السابق ضيفك" لأننا نخاله أبعد من هذا... ولكن أسئلة كثيرة تريد تمزيق الضباب وتبحث عن ملاذ في حقيقة واضحة للعيان...
"لمن يجرأ فقط" برنامج يبحث ولاشك عن الجديد عن الفريد، عن "السكوب"، وهذا جانب مهم ولا يُطعَنُ فيه لإثراء المشهد وتشويق المشاهد، ولكن...
هل كل "سكوب" مرحب به، هل كل جرأة لا تصبح تجرأ؟
هل يمكن الحديث عن سكوب خارج إطار أخلاقيات وقيم وأعراف جماعة وشعب؟
هل يمكن الحديث عن سكوب في لقاء ودي مع الجلاد وفي حضرة الضحية وودماء الثورة لم تجف ودموع جرحاها لم تكف؟
هل يمكن الحديث عن السياسة وروادها ونحن في مرحلة حساسة من انتقال ديمقراطي يبحث عن ذاته، وفي ظل ثورة تباعد اسمها ومضمونها، دون احترام هذه الثورة وأهدافها ومطالبها، دون الأخذ بعين الاعتبار بتاريخ وحاضر ومستقبل، تاريخ أسود، في عنوانه الأكبر استبداد وفساد، وحاضر يريد فيه هذا الاستبداد استعادة دوره ومنزلته، ومستقبل غامض تتنافس على خيوطه ضفتان لا ثالث لهما، من مع الثورة ومن ضدها؟، بين من يريد استعادة مصالحه المطاح بها، ومن يريد خدمة المصلحة العامة من بوابة ثورية! بين من يريد الهيمنة على ثروة البلاد وترك الفتات للعامة، ومن يريد بكل رحابة صدر تقاسمها وأخذ نصيبه منها..، صراع بين نظام قديم تهاوى ويريد الوقوف ونظام جديد يسعى للاستواء...
كل هذا النسيج وهذه الحقائق التي أبحرت بنا في طرح هذه التساؤلات توجه خطابا واضحا ونتيجة تلامس الحقيقة أن ما يحدث الآن في برنامج "لمن يجرأ فقط" بوعي أو بغير وعي هو تحسين الوجه القبيح للتجمع، هو إدخال العادية لدى المشاهد أن التجمع وأصحابه ليس لهم ماضي وهم جزء من الحاضر. فنحن أمام ثلاث مضارب :
* فإن كانت هناك منهجية أو أجندة وراء كل ذلك، فقد نجح أصحابها أن أدخلوا علينا في بيوتنا رغما عنا وجوها نحن لهم كارهين و كنا نظنهم من الأموات، واستمعنا إلى جرأتهم علينا دون أن نستطيع إبلاغهم صياحنا وصخبنا ورفضنا ونحن بين جدران البيت...
* وإن كان هذا السلوك التلفزي عفويا فلا يعذر العفوي بعفويته في مثل هذه الظروف حيث لا مكان للهواة في هذه اللحظة الفارقة ولأيام لها ما بعدها.
* وان كان كل هذا المهرجان السياسي بحثا على "السكوب" بدون وعي بخطورة اللحظة ولا بدقة المرحلة ولا بحساسية الأعراف والقيم والأخلاق، فإن الخطأ جسيم ويستوجب مراجعة آنية ومستعجلة.
الثورة مسار والثورة محطات، والثورة فواصل وقطيعة، والحسابات كثيرة والأجندات متنوعة والإعلام قد أكد سلطته وقوته في ثورتنا التونسية وغيرها ولا يزال، لكن التاريخ علمنا وهذه كُوّة الأمل لدينا أن الشعوب لا تنسى وأن التاريخ لا يُمحى وأن عجلته لا تعود إلى الوراء.
د.خالد الطراولي
رئيس حركة اللقاء