شاه نتائج الباكالوريا في تونس: المقارنات المغلوطة

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / نتائج الباكالوريا في تونس: المقارنات المغلوطة / Video Streaming

لا أرى فائدة في الانسياق وراء المقارنات المنتشرة الآن بين الولايات أو المعاهد على مستوى نتائج الباكالوريا لأن ضررها اكثر من نفعها، فهي تكرس وضعا قائما وتعطيه شرعية وجود بل إن وظيفتها منذ سنوات هي تعميق التفاوت واللاتكافؤ أكثر مما قد تدفع إلى تغيير الواقع  كما يتوهم المصرون على تلك المقارنات..

إذا كان لا بد من مقارنات فلا بد أن يكون هدفها إبراز تلك المعاهد التي حققت نتائج متميزة (نسب نجاحها تفوق المعدلات الوطنية على الاقل)  رغم أنها تعيش ظروفا موضوعية صعبة أو تقع في مناطق تعوّد الخطاب السائد سياسيا وإعلاميا على تسميتها “بالنائية” المحرومة”، “الداخلية” ” غير المحظوظة” “مناطق الظل”….

من البديهي أن تكون المناطق “المحظوظة” هي الاولى وطنيا لأنه يرتفع فيها مستوى الموارد المادية ومستوى القدرة على تمويل الدروس الخصوصيّة زيادة على متغيرات عديدة تاريخية واجتماعية وسياسية…

مع التذكير أن الاحصائيات والارقام ، لا تكفي وحدها في تقييم المجهود الانساني ، ويكفي أحيانا ذكر بعض التفاصيل أو تغيير بعض المعطيات في الواقع حتى ننسب القيمة المطلقة التي يضفيها المكتفون بترديد الارقام والاحصائيات…. في ولاية المهدية على سبيل المثال، وهي ولاية تلخص وضعية البلاد التونسية على أكثر من مستوى… في مجال التعليم بها معاهد من الفئتين( المحظوظة والمحرومة) ويمكن أن نطلق عليها “ولاية داخلية بشريط ساحلي” ، ستصبح الاولى وطنيا في نتائج الباكالوريا لو تحسنت نتائج معهد واحد أو اثنين فقط من معاهد المناطق “المحرومة” (التي لم تتجاوز نسبة النجاح بها 30 في المائة منذ 20سنة) إضافة إلى توفير  معهد نموذجي (باعتبار أن المهدية من الولايات القليلة جدا التي لا يوجد بها معهد نموذجي وأبناء المهدية يتوجهون إلى صفاقس أو المنستير أصحاب المرتبة الاولى والثانية والمهدية رتبتها 3 منذ سنوات).

ماذا يعني أن تكون نفس الجهات ونفس المعاهد لسنوات في القمة وأخرى في القاع…؟ هذا لب القضية واعتقد ان ما يخرج عن هذه الحتميات القاهرة هو  الجدير بالاهتمام والرسملة والتوثيق والنشر  والتشجيع .. .. نحتفل بكل من يتحدي الصعوبات والظروف القاسية ويُثبت أن دور الإرادة الانسانية الفردية والجماعية عامل أساسي وحاسم في صناعة النجاح ( وهؤلاء كثيرون لا يتحدث عنهم أحد)
متى نكف عن إجراء المقارنات المغلوطة ( تقييم النتائج النهائية بصرف النظر عن البيئة المحيطة والمدخلات والعمليات داخل المؤسسة المعنية؟ متى نهتم بتقييم شامل  للمجهود المبذول لتحدي الصعوبات والعوائق أي تقييم مختلف عناصر المنظومة داخل المؤسسة؟ ( والتركيز على المسافة المقطوعة بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول ).

هذا هو جوهر الإنصاف في عمليات التقييم  للتلاميذ ولإطار الإشراف الإداري والبيداغوجي. في غياب ذلك ستكون الأرقام والنتائج النهائية للمعهد غاية في حد ذاتها، يغيب الوازع الأخلاقي وتتزايد الانحرافات السلوكية والظواهر السلبية على مستويات مختلفة تشمل التلاميذ وكل الأطراف التربوية. في مثل هذا السياق ينشأ الشعور بالدونية وبموقع المتهم بالنسبة لكل من كان معهده في المراتب الأخيرة، تنتشر ظواهر مثل “تضخيم الأعداد” ،”الغش في الامتحان”، “التجاوزات المتصلة بالدروس الخصوصية”، “حرمان التلاميذ المتميزين من حرية اختيار التوجيه المدرسي وإجبارهم على مواصلة دراستهم في الشعب المتوفرة بالمعهد حتى لا يحصد معهد آخر نتائج تميزهم في الباكالوريا”….

المصدر: حقائق