شاه الاقتصاد التونسي: تشخيص مخيف يحتم الإصلاح العاجل

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / الاقتصاد التونسي: تشخيص مخيف يحتم الإصلاح العاجل / Video Streaming

مهما تحدثنا عن أهمية الاقتصاد فلن نستطيع إعطاء الموضوع حق أهميته، خاصة وأن الاقتصاد يمثل قاطرة الدولة وعماد ديمومتها .

إن الاضطراب المتواصل على مستوى القيادة السياسية من خلال غياب الاستمرارية وطغيان المواضيع السياسية على الأولويات الراهنة طيلة ست سنوات أخيرة ، كشف عن ورم خبيث ظهر في جسد الاقتصاد التونسي وراح يستشري هذا الورم كلما ساءت الخيارات وغابت الإصلاحات الكبرى والموجعة وتاهت الرؤية الواضحة.

ومن عادة الطبيب الانطلاق في تشخص الحالة قبل بداية العلاج، فان مركز الاستشراف والدراسات حول التنمية انطلق في تشخص أزمة الاقتصاد التونسي بحثا عن الحلول. هذا المركز الذي قدم كتابا تشخيصيا إصلاحيا سيكون مرجعا لي في عدة تصورات وأفكار تؤثث مقالات متواصلة حول الاقتصاد. وانضمامي لهذا المركز ساهم في مزيد تعميق فهمي للواقع الاقتصادي التونسي .

لقد شهد الواقع الاقتصادي والاجتماعي في السنوات الأخيرة صعوبات جمة ، علنا نلقبها بسنوات مرض الاقتصاد التونسي . لقد كانت و مازالت سنوات محفوفة بالقلق والمخاوف حول مستقبل محفوف بمخاطر الديون والأجور والسيولة والمؤسسات العمومية والسياحة والفلاحة والصناعة… وكل ما له علاقة بالاقتصاد ، لذلك عمت المخاوف فكل ما في الدولة على علاقة بالاقتصاد … وهو ما جعل ضياع الآمال والطموحات حال من تطلعوا لتطور مستوى المعيشة وتنمية الجهات الداخلية ومحاربة البطالة …

إن تشخيص الواقع الاقتصادي يجعلنا نلاحظ بما لا يدع مجالا للشك ضعف تطور نسبة النمو بمعدل 1.5 بالمائة بين سنتي 2011 و2016  وهو ثلث النمو المسجل في العشرية 1990-2010 وهو نمو أكثر بقليل من النمو الديمغرافي البالغ 1.2 بالمائة مع شهود هذا النمو تباطؤا في 2015 حيث بلغ 1.1 بالمائة وفي 2016 بلغ 1 بالمائة .

إضافة لهذا فان التوازنات الاقتصادية الكلية شهدت تدهورا غير مسبوق متمثل في تضاعف العجز التجاري بين سنتي 2009 و2014 ويعتبر الميزان التجاري من المؤشرات الاقتصادية الهامة كذلك عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات بأكثر من 8 بالمائة طيلة خمس سنوات متتالية.

 يمثل الميزان التجاري الفرق بين قيمة الصادرات وقيمة الواردات من السلع والخدمات ويتمتع الميزان التجاري بفائض عندما تتجاوز قيمة الصادرات قيمة الواردات.

وعندما تتجاوز قيمة الواردات قيمة الصادرات يعاني الميزان التجاري من عجز. وفي حال تساوي الواردات مع الصادرات يكون الميزان التجاري في حالة توازن أما ميزان المدفوعات فهو أكثر شمولية.

إذ إنه يأخذ بعين الاعتبار قيم كل المبادلات الدولية وبذلك فإنه يشمل بالإضافة إلى الصادرات والواردات من السلع والخدمات مجموع الاستثمارات المالية والغير المالية والمنح والإعانات الخاصة والعامة ومثله مثل الميزان التجاري فهو يمكن أن يكون في حالة عجز أو فائض. ونسبة عجز في الميزانية تقدر بـ5 إلى 6 بالمائة على عكس 2010 التي كان فيها العجز 1 بالمائة . وهذا جراء تقصير الإيرادات العامة عن تغطية النفقات العامة.

أيضا من المؤشرات التي تنبئنا بوضع صعب يعيشه الاقتصاد التونسي هو ارتفاع نسبة الدين العام للدولة من 40 بالمائة سنة 2010 إلى 63 بالمائة سنة 2016 وارتفاع نسبة الدين الخارجي من 37 بالمائة إلى 56 بالمائة في نفس المدة . وهو ما يطرح فعليا عدة تساؤلات حول ديمومة العملية التنموية والاستثمارية في البلاد التونسية.

إن المديونية وما تفرضه من مكرهات على الدولة يجعل هذا المؤشر من بين أكثر المؤشرات إرهاقا للدولة وخصوصا قدرتها على ضمان تواصل التنمية الجهوية .

كما نستخلص انخفاضا في معدل الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي، من 25 بالمائة إلى 18 بالمائة ومن معدل الادخار من 21 بالمائة إلى 12 بالمائة وهو ما غير الطاقة الإنتاجية للبلاد وأضعفها حيث أن النمو المحتمل لا يتعدى في هذه الحالات حاجز 2 بالمائة بينما في السابق كان النمو المحتمل يصل لـ 4.5 بالمائة.

نصل إلى إحدى المؤشرات الأخرى التي هي بدورها هامة وهامة جدا وتعبر عن واقع الاقتصاد التونسي  وهنا أقصد نسبة البطالة التي ارتفعت بشكل كبير، فقد وصلت 15.5 بالمائة اليوم على عكس سنة 2010 لما كانت 13 بالمائة وإن عدد الأشخاص العاطلين عن العمل 630 ألف إننا بحاجة لنظرة عميقة لواقع الشباب التونسي وما غزى صفوفهم من آمال مقهورة وفقدان للتفاؤل.

وصولا للحديث حول ما يشغل كل مواطن تونسي يوميا: القدرة الشرائية والتي بدورها شهدت انخفاضا رهيبا نظرا لارتفاع كبير للأسعار خلال السنوات الأخيرة وتشير بعض المصادر إلى إن هذا الانخفاض قدر بـ 40 بالمائة خلال فترة ممتدة بين  2011-2015 فقط وهي نسبة ضخمة بالنظر للمدة التي حدثت فيها.

ان هذا التشخيص يجعلنا نقف على خطورة الواقع الاقتصادي التونسي وما يمر به من ظروف صعبة ومستعصية . إن هذا التشخيص يظهر أننا يجب أن ندخل حقيقة في سلسلة قرارات موجعة لاسيما وأن كل المؤشرات تشتعل بالأحمر ، حتمية التوجه لوضع إستراتيجية واضحة . و بالرغم من أن كل الأزرار حمراء ومازلنا نطير على مستوى منخفض لكن لن نسقط ، وسنتجاوز الأزمة لكن ذلك مقترن بضرورة وعي قائدي طائرتنا بأن الموضوع الاقتصادي بات أهم المواضيع وضرورة القرارات الجريئة ولما لا الاستنجاد بطيارين أصحاب خبرة لإسناد القيادة السياسية -الاقتصادية في البلاد .

 

  • الاقتصاد التونسي،

المصدر: حقائق