القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / يوميات شيخ مدينة : في برج الوزير .. نعم للمدرسة أمّا المساكن فلا ! / Video Streaming

كتب عيسى البكوش

“UBU” هي شخصية صاغها الكاتب الفرنسي ألفراد جاري (Alfred Jarry (1907-1873 في مسرحية تحمل عنوانroi  UBU قدّمت سنة 1896 وهي تجسّم اللامعقول ومن وقتها والإعلاميون والمحلّلون للأوضاع السياسية والاجتماعيّة يستدلون بهذه الشخصية عندما يستدعي أمر ما الاستغراب إلى حدّ أنّ عبارة Ubuesque أصبحت نعتا متداولا.

ومثلما تقول عجائزنا فحديثنا قياس إذ أنّ لنا في مدينتنا كذا مسائل يجوز إيفاءها ذات النعت.

فكثيرا ما يفاجئ المسؤول المحلي بتصرّفات معاكسة للمسؤول الوطني وهي في الحقيقة تعكس تعالي الطرف الثاني واستباحته للقاعدة المأثورة ” أهل مكّة أدرى … ” بل أكثر من ذلك فهو ينقض “جهارا بهارا” ما أقرّه هو بنفسه من ضوابط في المجال العمراني.

فمن المعلوم أنّ مثال التهيئة لمدينة أريانة المعدّ من طرف مصالح وزارة التجهيز منذ سنة 1975 أقرّ بعث مساحة خضراء على طوال الجانب الأيمن من الطريق الشعاعيّة X والمتاخمة للمنزه الخامس، ولكن شتّان بين الإقرار … والقرار الذي سمح بعد خمس سنوات من تشييد عدد هام من الدور فوق هذه الرقعة.

قس على ذلك ما أقدمت عليه شركة “السنيت” بتجاوز الخطّ ” الأحمر” للعمران على يمين الطريق الرابطة بين المطار وبنزرت وأحدثت على الرغم من ممانعة المجلس البلدي (1975/1980) حيّا سكنيّا تحت مسمّى “التعمير الخامس” وهو ما شكّل سابقة للبناء التلقائي في منطقة برج الوزير فـ “إذا ربّ الدّار بالدفّ ضارب ….” .

ولم تك الوكالة العقارية للسكنى أكثر رأفة بالجماعة المحليّة فكثيرا ما كان مسؤولوها يتقدّمون بمشاريع للتقاسيم في منطقة المنازه وبها بعض المقاسم “المبهمة” والتي تحمل عبارة ” للتعمير لاحقا” ومنها ما يخصّص للمرافق العمومية وبعد لأي يأتيك البعض منهم بخبر تخلّي الجهات الرسمية عن تلك المواقع وبالتالي فالمرغوب من المسؤول المحلي الموافقة على تغيير الصبغة وتحويلها إلى مقاسم .. للسكنى لفائدة زيد وعمرو.

وتجاه مثل هذه المعاملات لقد عنّ لي في مرّة من المرّات أن أتسلّط على جهة مركزية بأن عارضت تغيير صبغة فضاء تابع لتقسيم المنزه السادس مكرر وكان موضوعا نظريّا على ذمّة وزارة التربية، فاتصلت حينها بالوزير- المغفور له محمد فرج الشاذلي- وأخبرته بالأمر فسارع رحمه الله بالاتصال بالجهة المعنيّة وانتهى الأمر والحمد لله بتشييد المدرسة الإعدادية المعروفة والتي أمّها إلى حدّ الآن الآلاف من أبناء المنطقة.

غير أنّ المشهد الأكثر سريالية يبقى ما عايشته خلال تحمّلي أمانة أريانة الكبرى – أي بربضيها روّاد وسكرة- وهو ما حدث بمنطقة برج الوزير وبالتحديد في حي الصحّة، فلقد كانت تراسلنا الإدارة العامة للتهيئة الترابية وتحثّنا على ردع كلّ من يشرع في بناء مسكن في هذا الحيّ، وهدم ما اكتمل منها، ولكن هيهات فقد سبق السيف العذل إذ اكتمل الكثير من مساكن أعضاء تعاونيّة الصحّة بل وشرعت الوزارة في إعداد مدرسة ابتدائية لفائدة أطفال الحي.

فلمّا استفسرت السيدة مديرة التهيئة، ومن المفارقات اللافتة أنها كانت في نفس الوقت عضوة في المجلس التي تشرّفت برئاسته لماذا تتوخّون سياسة النعامة؟ فأنتم تنكرون على الناس الاستقرار هنا وفي ذات الوقت تهيئون مدرسة لاستقبال أطفالهم.

قالت بكل اعتداد: إنّ الرئيس بورقيبة لا يرضى بأن يبقى أبناء الشعب دون التمتّع بحقّ التعليم.

وللمرء أن يتساءل لماذا لم تسارع بتهيئة المناطق قبل استفحال الأمر، فالسكن هو أيضا من حقوق التونسيين مثل الصحّة والتعليم ولعلّ ما شهدته كامل منطقة برج الوزير – الذي لم يبق فيها الإنسان إلا على النزر القليل من الأخضر الذي كان سمتها على امتداد قرون إلى حدود سبعينات القرن الماضي – عبرة لمن يعتبر من بين الذين يتولّون إدارة شؤون البشر فوق ما تبقّى من الأراضي الصالحة للتعمير.

 

المصدر: الصريح


TH1NEWS