محمود بن جماعة هو من مواليد 1941 من صفاقس وهو متفقد عام للتربية سابقا (اختصاص فلسفة. ترجم إلى العربية عددا من المؤلفات الفلسفية، لاسيما في فلسفة العلوم ومجال القيم، صدرت في سلسلة “أضواء”عن دار محمد علي للنشر بين سنة 2004 وسنة 2009. ومن بينها “مقال في أصل اللامساواة” (روسو (Rousseau و”الحرية” (فريديريك لوبياس Frédéric Laupiès). وأخيرا، أصدرت له دار التنوير ترجمة لكتابين: أحدهما للفيلسوف لوك فيري Luc Ferry: “أجمل قصة في تاريخ الفلسفة” (2015)؛ والثاني للمحللة النفسية والكاتبة جوليا كريستيفا Julia Kristeva: “قصص في الحب” (2017). وسينشر له المركز القومي للترجمة تعريبا لكتاب ميشال ريفال Michel Rival في تاريخ العلوم: “التجارب العلمية الكبرى” (من العصر القديم إلى الآن).
لمحمود بن جماعة إسهامات أخرى في الترجمة كما في كتابة المقالات التربوية والخاصة بتاريخ الفلسفة.
وبذلك نراه ساهم في إنماء المكتبة العربية ولعل ترجمته لعديد المؤلفات دليل على ذلك و آخرها كتاب قصص في الحب لجوليا كريستيفا الصادر في المدة الأخيرة عن دار التنوير للطباعة والنشر وقد جاء في 384 صفحة من الحجم الكبير.
وقد ازدانت صورة الغلاف بمجموعة من الطيور المرفرفة في السماء حرة طليقة زاهية تبعث في نفس القارئ منذ تلمسه الكتاب الانشراح والبهجة.
وقد حصل لنا إجماع لدى العديد من القراء أصحاب المستوى الأكاديمي أن كتاب جوليا كريستيفيا يحمل مضامين صعبة وليس من السهولة بمكان فهمها فما ذا عن ترجمتها إلى العربية !؟ ولذلك توجهنا للأستاذ بن جماعة وطرحنا عليه السؤال التالي: لماذا أقدمت على ترجمة هذا الكتاب على صعوبته وما يتطلبه منك هذا الاختيار من عمل جبار ومجهودات إضافية؟ فأجابنا مشكورا بما يلي:
” حول الدواعي إلى تعريب “قصص في الحب” وصعوبات إنجازه
جوليا كريستيفا Julia Kristeva اسم بدأ يبرز منذ الستينات من القرن الماضي، اسم فيلسوفة ومحللة نفسية وكاتبة فرنسية من أصل بلغاري. اهتمت بمسألة اللغة والكتابة، فابتكرت سنة 1966 مفهوم “التناصّ” intertextualité وطورت مسار إنتاج المعنى في اللغة، والمتكون في رأيها من عنصرين متضافرين: الرمزي والسيميائي.
ولا مناص، مهما تكن صعوبات كتاباتها النظرية، من تعريف القارئ العربي بفكرها واتجاهها في البحث. وفي هذا الإطار، تندرج ترجمة مؤلَّفها ” قِصص في الحب ” الصادر في طبعته الفرنسية الأصلية سنة 1983 عن منشورات دُنُوال Denoël. وقد أصدرت دار التنوير طبعتها المعربة هذه السنة (2017) في 384 صفحة. وعلى حد علمي، لم يعرَّب لها قبل ذلك سوى كتاب واحد، وهو “علم النص” من قِبَل فريد الزاهي (دار توبقال، االمغرب، 1997).
إن كتاب ” قصص في الحب ” يتناول المسألة من زوايا مختلفة: تحليلية نفسية، انتروبولوجية، فلسفية، من خلال تاريخ الأديان (اليهودية والمسيحية) والرواية والمسرح والشعر (ولا سيما عند كل من التوبادور وبودلار)… ولذا جاء ثريا بالمرجعيات. كما لم يخل من عرض لبعض الحالات النفسية المرضية.
والحقيقة أن اتساع مجالات البحث، ولغة جوليا كريستيفا المختصة والمتحذلقة في أغلب الأحيان، واستشهادها بعبارات أو حتى بفقرات من لغات غير الفرنسية لا تكلف الكاتبة نفسها أحيانا مشقة ترجمتها إلى الفرنسية، واستعمال مصطلحات في التحليل النفسي لا تقف على معانيها وكأنها تتجه إلى نخبة من ذوي الاختصاص، كل ذلك يعقد مهمة المترجم ويحمِّله مسؤولية كبيرة وشاقة في تأدية المعاني مع توخي الأمانة والدقة.
ودون مبالغة ولا رغبة في الإشهار، أجزم بأن الترجمة العربية التي قمتُ بها لكتاب “قصص في الحب” ذللت الصعوبات التي قد يجدها القارئ.عندما يطالع النص الفرنسي. فقد جاءت هذه الترجمة العربية مرفقة بهوامش توضيحية عديدة حرصتُ على إضافتها بخصوص المصطلحات والأعلام، وقدمتُ في المتن تعريبا لكل الكلمات والأقوال التي بقيت في النص الفرنسي بلا ترجمة وفي لغتها الأصلية غير الفرنسية (من لاتينية ويونانية، وأسبانية وإيطالية وألمانية وحتى أوكسيتانية). فلا غرابة إن كانت الترجمة العربية للكتاب أيسر على الفهم من النص الأصلي، حتى بالنسبة إلى من يحذق اللسانين: الفرنسية والعربية.
وأخيرا، لا أخفي أن عملي هذا مكنني من النفاذ إلى عالم جوليا كريستيفا ومن جل مصطلحاتها معرَّبة. وغنمتُ الكثير من مقارباتها، ولاسيما في مجال تاريخ الأديان وفي الأدب (الشعر الغنائي عند التروبادور؛ شكسبير؛ بودلير؛ ستندال؛ باتاي). وللقارئ العربي أن يتابع الكتاب باسترسال من أوله إلى آخره أو أن يجول فيه كما يشاء بل كما يشاء ميله إلى الإطلاع على مقاربة الحب في هذا المجال أو ذاك. “
المصدر: حقائق