
فقد تواصل انسحاب القطع العسكرية، بعد شارع بورقيبة الشهر الفارط، من شارع ثامر، وشارع العملة، ومن امام السفارة الفرنسية، ومن غيرها من النقاط التي كان يحرسها، ولم يبق على تواجد ملحوظ إلا داخل البناية الضخمة للتجمع الدستوري الديمقراطي، في شارع محمد الخامس.
اما في الضاحية الشمالية، التي تُعتبر حساسة نوعا ما، لاحتوائها القصر الرئاسي، ومباني عدد من السفارات ومساكن دبلوماسيين ووزراء ومسؤولين رفيعين، فقد لاحظ السكان غياب الجيش بصمت، اذ انسحبت كل وحداته التي كانت متمركزة في شارع 5 ديسمبر بالكرم الغربي، وأمام معتمدية الكرم الشرقي، وأمام القباضة المالية بالكرم، إضافة إلى عدة نقاط بالمرسى وقرطاج.
هذا الانسحاب السلس والهادئ، لم يفاجئ كثيرا المراقبين باعتبار الهدوء الذي تعرفه هذه المناطق، لكنه يثير عديد التساؤلات، خاصة أن كثيرا من الناس لا يعيرون رواية الحكومة عن تحسّن الوضع الأمني أي اهتمام، ويلاحظون بلا أدنى شك ان الوضع الامني لازال هشا، ولازال قابلا للانفلات في اية لحظة، خاصة وان مناطق مثل سيدي بوزيد والقصرين وما شهدته من أحداث خلال الأسبوع الفارط خير دليل على ذلك.
ويبقى انسحاب الجيش الى ثكناته فأل خير بالنسبة للكثير من المواطنين أيضا، اذ يرون ان هذا الجهاز الوطني قد أدّى دوره بامتياز، وقد أرهقته سنة ونصف من الانتشار في المناطق المدنية، وما عودته الى مواقعه الطبيعية الا دليل على انه نجح في مهامه.
لكن الكثيرين أيضا يبدون تخوّفهم من عودة الفلتان الى الشارع، خاصة بعد عودة العلاقة المتشنجة بين الشارع وقوات الامن الداخلي، اثر إطلاقها الرصاص المطاطي على المتظاهرين العُزّل في سيدي بوزيد، والذي أفشل نسبيا جهود المصالحة التي بدأت بين هذا الجهاز، الذي يعاني كثيرا من ترسّبات أحداث الثورة وما عقبها، وبين المواطن الذي يريد ان يكون هذا الجهاز جمهوريا يحمي الوطن والقانون فقط.