عطفًا على الخطابين "نذير لآل سعود" الأول والثاني، التي أشكر من أعدهما ونشرهما، وتأكيدًا لما جاء فيهما، أود أن أذكر أبناء وأحفاد الملك عبدالعزيز بالقصة التالية، التي يعيد فيها التاريخ نفسه، ومع الأسف لم نتعلم من أخطائنا.
حين دخل الملك فهد رحمه الله المستشفى بعد إصابته بالجلطة الأولى في شهر رجب من سنة 1416 وعاد له وعيه، رغب أن يوكل لولي العهد آنذاك أخيه عبدالله تصريف شؤون الدولة فعهد إليه ذلك بخطاب رسمي. وشرع ولي العهد وقتها بالمهام الملكية بالنيابة، مما تسبب في حرمان الدائرة القريبة من الملك فهد ذلك الحين من الميزات والصلاحيات اللامحدودة، وأهمهم ابنه عبدالعزيز ووالدته الجوهرة وأخواله الإبراهيم. وهذا ما دفعهم للتآمر لإلغاء هذا التفويض وعودة السلطة كاملة للملك فهد، حتى يتحكموا بالسلطة بسبب قربهم منه.
جاء رمضان فصادف نشاطًا سياسيًا غير عادي، حيث استقبل الأمير عبدالله ثلاثة زعماء خلال ثلاث أيام، هم الرئيس اليمني والمصري ورئيسة وزراء باكستان وقتها بيناظير بوتو، وبدأت الدوائر العالمية تتعامل مع ولي العهد عبدالله كملك. ثم كتبت صحيفة الواشنطن بوست مقالًا مطولًا عن أن عهد فهد انتهى وبدأ عهد عبدالله، فوجدها عبدالعزيز وأخواله فرصة سانحة للضغط على الملك للتراجع.
قام عبدالعزيز الإبراهيم وبقية إخوانه ومعهم الجوهرة وعبدالعزيز بن فهد بترجمة المقال، ثم أخذوا الجريدة والترجمة للملك فهد ورموها بين يديه، وقالوا، "شف طال عمرك راحت منك السلطة وأنت حي". ثم عرضوا عليه تسجيلًا لاستقبالات عبدالله للزعماء، واستمروا يشحنونه حتى استشاط غضبًا ودعا أخوانه سلطان ونايف وسلمان يوم العيد وسألهم لماذا حصل ما حصل؟ فحاول سلطان تلطيف الموقف والاعتذار، بأن هذا من أجل راحتك والتخفيف عنك، فرد عليه الملك فهد بغضب قائلًا: "يبدو أنك مستعجل على ولاية العهد".
ثم استدعى الملك فهد رئيس الديوان وأمره بكتابة خطاب باستئناف الملك فهد لنشاطه وإلغاء التفويض، وطلب من سلطان ونايف وسلمان أن يسلموه لعبدالله ويعلن رسميًا، وقال لهم: "ما اطلع من مكة يوم العيد إلا مرجعين لي توقيع عبدالله والخطاب معلن". نقل الثلاثة الخطاب لولي العهد، وكان معروفًا بطاعته للملك فهد، فلم يتردد في القبول، وأعلن الخطاب رسميًا بإلغاء التفويض واستئناف الملك فهد لنشاطه، كما أعلن خطاب الرد من ولي العهد. وعندها قامت قناة الإم بي سي المملوكة لآل إبراهيم باحتفال كبير بعودة الملك حتى تعطيها مصداقية عالية.
بقي الحال هكذا بحيث يتحكم عبدالعزيز وآل إبراهيم بالحكم من خلال الملك فهد، رغم تكرر الجلطات عليه، حيث إنه منذ عام 1416 حتى وفاته عام 1426 لا يدري عن شيء تقريبًا. وكان عبدالعزيز وأخواله ووالدته يتحكمون بالبلد بسبب سحب التفويض من الأمير عبدالله. وكان أول حساب انقضوا عليه مستخدمين اسم الملك حساب الحرمين، الذي فيه 70 مليار ريال والذي يأتي دخله من مليوني برميل يوميًا.
وبسبب سلبية العائلة التي لم تتدخل لمنع هذا الاستغلال، فقد قام عبدالعزيز وأخواله بسرقة مئات المليارات من الخزينة، ومن أموال الملك فهد وهو حي، بطريقة رسمية ونظامية. وهذا ما يتكرر الآن على يد محمد بن سلمان من خلال استغلال وضع والده الصحي وسكوت بقية العائلة. وإذا كان عبدالعزيز تلاعب فقط بالشؤون المالية، فإن محمد بن سلمان يتلاعب بكل شؤون الدولة وكأنه الملك الفعلي.
وأؤكد أن معظم أبناء وأحفاد الملك عبدالعزيز مؤيدين للخطابين الأول والثاني، وأنهم متفائلون أن هناك من بادر، وأشكر الذين بدأوا التحرك لتطبيق ما جاء فيه من أفكار، وأتمنى لهم التوفيق، كما أخص بالشكر حفيد الملك عبدالعزيز الذي أعد الخطابين.
'شؤون خليجية'