ويُنظر إلى هذه الفقرة من كلمة السبسي على أنها رسالة مُبطنة من شأنها بعثرة الكثير من الأوراق، والمواقف وحتى التحالفات الآنية التي برزت في أعقاب انتخابات أكتوبر 2014، والتي على أساسها تم تشكيل الحكومة الحالية برئاسة الحبيب الصيد، والتي تُشارك فيها حركة النهضة الإسلامية بوزير، وعدد من كتاب الدولة “مساعدو وزير”.
وعلى هذا الأساس، لا تستبعد الأوساط السياسية التونسية أن يكون الباجي قائد السبسي قد اختار مفرداته وعباراته بدقة في رسالة مضمونة الوصول إلى راشد الغنوشي الذي عبّر في الآونة الأخيرة عن مواقف فُهم منها أنه يُعارض حزمة الإجراءات والتدابير التي أعلنتها الحكومة في إطار حربها على الإرهاب.
وكان الغنوشي كثيرا ما سعى إلى إسقاط قراءاته على دستور البلاد، وهويتها من خلال التركيز على البعد الديني للدولة، كما أبدى تحفظا عن جزء من الإجراءات التي أعلنتها الحكومة بعد عملية سوسة الإرهابية، وخاصة منها تلك المتعلقة بغلق المساجد، وسحب تراخيص الجمعيات التي يُشتبه في تورطها في تمويل الإرهاب، إلى جانب مراجعة بعض التعيينات الحكومية والإدارية لجهة إعفاء البعض من الذين زرعتهم حركة النهضة في مفاصل الدولة أثناء حكمها للبلاد خلال الأعوام 2011 و2012 و2013.
وبحسب المُحلل السياسي منذر ثابت، فإن ما ورد في كلمة الرئيس الباجي قائد السبسي من إشارات وتلميحات إلى تيار الإسلام السياسي، ستكون لها تداعيات مباشرة على مستقبل العلاقة التي تجمع حاليا بين حركتي نداء تونس والنهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي.
وقال ثابت لـ”العرب”، إن كلمة الباجي قائد السبسي “جاءت مشحونة برسائل مُشفرة موجهة إلى الداخل، وأيضا إلى بعض الأطراف الإقليمية والدولية، في هذا الظرف الدقيق الذي جعل تونس تقف على حافة فوهة بركان آخذ في الانفجار ويهدد استقرارها”.
واعتبر أن تركيز الباجي قائد السبسي على مدنية الدولة التونسية في هذا الوقت بالذات، لا يمكن فهمه بمعزل عن تزايد الخطاب الديني الداعي إلى إقامة الخلافة وسط صمت رسمي لحركة النهضة الإسلامية التي سبق لأمينها العام السابق حمادي الجبالي أن بشر بالخلافة السادسة في تونس في العام 2011.
وتابع قائلا إن “بروز حمادي الجبالي الذي ترأس أول حكومة للنهضة بعد فوزها في انتخابات 2011، كرمز للتيار التقليدي داخل حركة النهضة الإسلامية، وكمدافع شرس عن التيار السلفي والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان يطرح أكثر من سؤال حول المواقف الحقيقية لحركة النهضة باعتبار أن مواقفها المعتدلة لم تأت بعد مراجعة فكرية، كما أنها لم ترد في شكل نصوص رسمية صادرة عن مؤسسات هذه الحركة، وإنما كانت مجرد تصريحات أدلى بها راشد الغنوشي اعتبرت في حينها تكتيكات لا تخرج عن إطار ازدواجية الخطاب”.
وفيما يذهب منذر ثابت إلى القول إن غالبية الرأي العام التونسي يميل ويطالب بـ”تجذير القطع مع الحركات الإسلامية في البلاد”، تتوقع الأوساط السياسية أن تثير تلك الرسائل التي دفع بها الباجي قائد السبسي جدلا صاخبا ستتواصل مفاعيله على صدى تزايد التحذيرات من أعمال إرهابية جديدة في البلاد.
وكانت مصادر أمنية قد أكدت لـ”العرب” أن قرار فرض حالة الطوارئ في البلاد الذي أعلنه الرئيس التونسي جاء في أعقاب تلقي تونس معلومات من أجهزة استخباراتية أجنبية وعربية تفيد بعزم الجماعات المُتشددة تنفيذ أعمال إرهابية وسط العاصمة تونس، وفي بعض المدن السياحية منها جزيرة جربة، بالإضافة إلى خطر داعش في ليبيا الذي بدأ يقترب تدريجيا من تونس بعد أن وصل إلى مدينة نالوت التي تبعد نحو 12 كيلومترا فقط عن الحدود التونسية.