شاه علية العلاني يتحدث عن قانون التوبة والباجي قائد السبسي ووزارة الشؤون الدينية

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / علية العلاني يتحدث عن قانون التوبة والباجي قائد السبسي ووزارة الشؤون الدينية / Video Streaming

لا تزال التصريحات التي أدلى بها رئيس الجمهورية الباجي قائد السّبسي في إطلَالات إعلاميّة متنوّعة تلقي بظلالها على الرأي العام في تونس، بعد أن تناول موضوع الإرهاب وذكر من خلالها أنّ المؤسّسات السجنية في بلادنا غير قادرة على إستيعاب الكم الكبير من المقاتلين التونسيين في بؤر التوتر والنزاع في حال عودتهم قسرا أو طواعية جراء تضييق الخناق عليهم خاصة على الأراضي السورية، ورغم توضيح السبسي في حوار آخر أفصح عنه لموقع قناة العربية أنه لا يقصد بذلك الصفح والعفو عن المتورطين في إرتكاب جرائم إرهابية ولا يمكن التساهل معهم، فإنّ المتابعين للشأن الوطني أثاروا بتعاليقهم في الخصوص موجة من السّجال والنقاش تتواصل تتداعياتها بنفس الحجم إلى حدّ اليوم.

في هذا الإطار، أمكن لصحيفة الجمهورية الإتصال بالدكتور في علم الإجتماع والمختص في الجماعات التكفيرية والإرهابية، عليّة العلّاني، لإستجلاء فحوى آرائه وقراءَته حيال ما أدلى به رئيس الدولة، بالإضافة إلى موقفه من التنظيمات المتشددة ومدى توسع نشاطها في تونس، فضلًا عن مواضيع أخرى تتعلق بحركة النهضة وحقيقة تخلّيها عن الخطاب الدعوي وصلتها بوزارة الشؤون الدينية التي مضى على عزل وزيرها السابق عبد الجليل بن سالم أكثر من الشهر.

محدثنا، أكد في البداية أنّ الباجي قائد السبسي كان قاب قوسين أو أدنى من توريط نفسه على إثر ما صرح به في مناسبة أولى، حيث إعتبر أنّ العائدين من سوريا يمكن إعادة إدماجهم صلب الحياة المجتمعية لأنّ طاقة إستيعاب السجون لا تحتمل أعدادهم الوافرة، إلّا أنه سرعان ما قام بتعديل خطابه بالإشارة والتشديد على أنّ المتهمين في سفك الدماء وتقويض إستقرار الشعوب الشقيقة لا تسامح معهم ولن يشملهم قانون “التوبة”، الأمر الذي أشعل فتيل الجدال على الساحة السياسية، وفق إفادة العلاّني.

المراجعات الفكرية والتأهيل

وأبرز المتحدّث أنّ تونس لا تحتاج إلى قانون توبة بقدر حاجتها إلى قانون التأهيل، وهو إمتياز لا يُمنح سوى مرة واحدة، والمقصود به أنّ العائدين من بؤر التوتر يجب أن يمرّوا بعدّة مراحل شبيهة بالعلاج، أولا وأساسا أن يتمّ إيداعهم لدى مراكز إيقاف خاصة بدل إعتقالهم في سجون الحق العام، حتى ننأى بالسجناء الآخرين عن فخّ الإستقطاب والتغرير، وثانيا إخضاعهم للتحقيق بصفة مدققة وشاملة ومفصلة حول كامل المسار القتالي بدءًا بإستقطابهم في تونس من طرف شبكات متعددة ترتع بيننا بلا حسيب ولا رقيب تعمل لاحقا على تسفيرهم وتجنيدهم تحت راية “الجهاد في سبيل الله”، وذكر ضيفنا أنّ أحلك الفترات التي كابدتها تونس هي تلك التي مسكت خلالها “الترويكا” بمقاليد الحكم والنظام، ما نتج عنه إهمالٌ كبير للجانب الأمني والذي أسفر عن تعاظم أعداد الجماعات المتشددة وتصديرهم فيما بعد نحو ساحات الوغى، هذا وشدد العلاني على ضرورة أن يدقّق المحققون في مسألة الأموال الطائلة التي تم تخصيصها وصرفها على الوسطاء وأُسر المستقطَبين، لاسيّما السعي إلى كشف مصادر هذه التمويلات كي لا نقع في كمين مثل هذه العمليات مجدّدا.

وتابع علية العلاني حديثه إلينا، بأنّ الإنتهاء من مرحلة التحقيق، تعقبها مرحلة المحاكمة والتي يجب أن تتوفر فيها معايير المحاكمة العادلة بالإستناد إلى قانون مكافحة الإرهاب المصادق عليها أخيرا، مضيفا أنّه بعد إستيفاء المحاكمة والتصريح بالحكم، يكون من الحتمي تصنيف المتورطين إلى شديدو الخطورة ومتوسطو الخطورة والأقل خطورة، إلى أن نبلغ مرحلة التأهيل التي تختلف عن التوبة لما يكتسيه الأول من طابع سياسي والثانية لها صبغة دينية صرفة، على حد تقدير محدثنا.

وقال إنّ المراجعات الفكرية للمحاكَمين تتضمن مختلف المسائل، منها على سبيل الحصر، قضية التكفير والجهاد والخلافة بالإضافة إلى نظرية الولاء والبراء وأخيرا علاقة الدين بالدولة، معتبرا أنّ المختصين في علوم الدين والإجتماع والنفس هم الأحقّ والأكفأ للإشراف على تطبيق برنامج التأهيل دون غيرهم، ملاحظًا أيضا أنّ أطوار المسار الشامل لهذه المقاربة يمكن أن تطول قبل إيداع التقارير كلّ على حِدَة إلى الجهاز القضائي الذي سيفصل حكمهُ إما بنجاح صاحب المراجعة الفكرية أو بسقوطه وفشله في تجاوز هذا الإمتحان الذي يُمنح مرّة واحدة فحسب. وأشار محدثنا في ختام مداخلته حول قضية تأهيل العائدين من مناطق الحروب الدامية، إلى أنّ الدولة التونسية حريّ بها أن تبسط يديها وتفتح أبوابها من جيد لهؤلاء قصد إدماجهم وإنخراطهم في معترك الحياة الإجتماعية من خلال تمتيعهم بالحق في الشغل وتمكنيهم من موراد رزق فعلية تحفظ لهم كرامتهم وتؤمّن لهم مستقبلا مفعما بالإستقرار، علاوة على إرساء أرضية ملائمة يطيب فيها العيش حماية لهم من الوقوع مرة أخرى في براثن التنظيمات الزائغة والمحدّقة بعقولهم المهتزّة.

طارق المعروفي عنوان المراجعة الفكرية الزائفة

وتعريجا على حضور طارق المعروفي في منابر إعلامية مختلفة، أكّد علية العلاني أنه لا يثق في المراجعات الخطابية والفكرية التي يصرح بها مثل هؤلاء، مبرزا أنّ هذه العمليات الممنهجة والمدروسة تندرج ضمن مخطط يسعى إلى تبييض الإسلام السياسي الذي يُعتبر أحد المداخل الجوهرية للتيارات الجهادية المتشددة، بحسب تفسيره، وأضاف قائلا: “طارق المعروفي لا يمكن له البتة أن يكون الوصفة المثالية المعتمد عليها لتأهيل المغرّر بهم، وأنا لا أثق مطلقا في أسلوبه المُريب.”

اليقظة الأمنية أنقذتنا من سيناريوهات خطيرة

وفي تقييمه للأوضاع الأمنية الراهنة التي تعيش على وقعها البلاد، لاحظ العلاني أنّ التهديدات المتربصة بحياض تونس لا تزال قائمة إلى الوقت الراهن، مستطردًا قوله بأنّ السنة المنقضية شهدت تحسنا مُلفتا للظروف الأمنية في كافة ربوع البلاد، إستشهادا بمرور الموسم الصيفي والسياحي دون تسجيل إضطرابات تذكر، وتنظيم أشغال مؤتمر الإستثمار في أبهى الظروف، كما توفقت الأجهزة الأمنية والعسكرية في إحباط العديد من المخططات الكبرىالتي كانت ستغرق تونس في بحر من الدماء، لولا اليقظة المستمرة والتأهب المتواصل.

وقال في ذات الصدد: “أعتقد أنّ النجاحات الأمنية المطّردة تحققت بفضل صياغة إستراتيجية شاملة ومضبوطة تمّ إنفاذها على الوجه الأكمل رغم بعض الهنّات، كما تمّ تطهير المؤسسة الأمنية وتمحيصها وإستعادة أركانها من قبضة عناصر أخفقت إخفاقا ذريعا في معالجة الوضع الأمني وساهمت في بزوغ عمليات التصفية الجسدية التي لم يعرف مثلها مجتمعنا المسالم من قبل.”

التعاطي الإعلامي يجب أن يتقيد بضوابط المهنة

وفي تناوله للتعاطي الإعلامي بشأن ملف الإرهاب، ذكر العلاني: “التعاطي الإعلامي مع الظاهرة الإرهابية يختلف باختلاف وسائل الإعلام، فالصحفي المستقل والمحترف يكون عمله هو الأقرب للموضوعية، أمّا بالنسبة إلى الصّحافيين المؤدلَجين ذوي الخلفيات الإيديولوجية، فلا نترقّب منهم سوى معلومة وتحليلا وقراءَة متحيّزة أبعد ما يكون عن الحيادية والتعاطي المسؤول، وهذا يُعتبر تعدّيا على حقّ المتلقي في نفاذه إلى الخبر المتحرّر وفق المقاييس التي تتطلبها ضوابط المهنة وقواعدها.” 

وزارة الشؤون الدينية لم تحصل على إستقلالها التام بعدُ

وفي خصوص رؤيته لوزارة الشؤون الدينية، علّق الدكتور علية العلاني: “أرى أنّ هذه الوزارة هي وزارة سيادة بٱمتياز، والفضاء الديني في تونس مازال يحتاج إلى ثورة كبيرة في العمق، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة ما بعد 14 جانفي في فعل أيّ شيء للمؤسسات الدينية، رغم العمل الكبير في علاقة بتحرير المساجد من التيارات الجهادية، إلّا أنّ مقاليد السيطرة مازالت بين أيدي الجماعات السلفية والمنتسبين لحركة النهضة… وطالما ظلّت مساجدنا تحت سيطرة التيارات السياسية والمتشددة، فإنها لا يمكن أن تقدم منتوجا لإسلام معتدل يروَّج لأبنائنا… وبالتالي، فإنّ وزارة الشؤون الدينية في حاجة ماسة إلى ثورة في البرامج والمحتوى وفي إعادة النظر في الأسماء التي تشرف على تسييرها، ولا محيص عن تحييدها وتخليصها كليا من بوطقة التوظيف والمتاجرة المقيتة.” هذا وشدد محدثنا على التأكيد أنّ وزارة الشؤون الدينية تخضع بشكل كبير إلى سيطرة حركة النهضة والتي تمكنت من التغلغل في مفاصلها، كما في مؤسسات وزارية أخرى، طبقا لقوله.

وختم حواره معنا قائلًا، إنّ تونس قادمة على تطورات غير مريحة، بالنظر إلى ما تشهده الساحة السياسية من إنقسامات وتشظي وتفكك بين أهم أحزابها، داعيًا الطبقة النخبوية وفطاحل المفكرين إلى تحمل مسؤوليّاتهم والإضطلاع بدورهم التاريخي من أجل تحقيق الإستقرار السياسي والمجتمعي المرجوّ.

ماهر العوني

المصدر: الجمهورية