شاه “تالة مون أمور” لمهدي هميلي: في حب البلاد لغتان…

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / “تالة مون أمور” لمهدي هميلي: في حب البلاد لغتان… / Video Streaming

هو جرح من جراح هذا البلد، جرح توّغل فيه المخرج مهدي هميلي بجهة تالة بالوسط الغربي للبلاد. تالة المدينة المنسية التي سقط فيها أول شهداء الثورة.. جرح بطعم النضال والوجيعة والحب، سلط عليه مهدي هميلي كاميراه في أول فيلم روائي طويل يُخرجه.  فيلم يغطس أين الوجع ويستفيق حيث معنى حب الوطن.

من ظلام تونس الدافئ، تطل شخصيات “تالة مون آمور” بمهجتها لتروي حبها للبلد، للأرض وللآخرين وذلك من خلال قصة علي (غانم الزرلي) السجين السياسي الذي يهرب خلال شهر جانفي 2011 من السجن ليلتحق خلسة بمسقط رأسه مدينة تالة التي يجدها في أوج انتفاضتها باحثا عن خطيبته حورية (نجلاء بن عبد الله) عاملة المصنع التي نكّل بها نظام بن علي في أحداث الرديف.

هكذا أراد مهدي هميلي فيلمه، جرح غائر في ظلمة تونس ومُشع بنور ناسه. بين الظلمة والنور، جاءت اللغة السينمائية التي توّخاها المخرج خلال تصوير أغلب شخصياته التي ظهرت كلمعات الشموع. اطلالات انسانية من صلب العتمة صوّرها المخرج أكثر من ان يُصوّر الأشخاص في حد ذاتهم. علي بطل الفيلم في عزلته وفي أوج بحثه عن حبيبته، حورية بروحها النضالية، فاطمة بن سعيدان بروحها الثورية وابنها بروحه الانتهازية وغيرهم من الشخصيات التي ظهرت في لقطة المرور بنقطة التفتيش البوليسي وفي المواجهات التي شهدتها شوارع مدينة تالة وتصدت فيها الممثلة فاطمة بن سعيدان لقمع قوات الأمن لأن “السلطة راهي ديما فوقك إنت وأنا” مثلما جاء على لسانها.

مشاهد بزخرف تونسي خاص من نوعه تصل ذروتها عندما تشاهد حورية (نجلاء بن عبد الله) حبيبها السابق على مقطع فيديو يبرز التدافع الذي شهده المستشفى الجهوي بالقصرين عندما تهاطل الجرحى بالعشرات جراء عمليات القنص التي استهدفت أبناء الوطن. يتوقف النبض لدقائق. نبض حورية ونبض المشاهد. ثم يستعيد القلب تدفقه من جديد. تنبعث الروح في شرايين الحياة أملا في التقاء قادم، في شعلة محتملة. يبحث الطرفان عن بعضهما البعض، فالقصرين على بعد كيلومترات من تالة ولا شيء مستحيل في هذه الربوع. ومع تصاعد النسق الدرامي للأحداث، يرسم مهدي هميلي الأحاسيس الشخصية للبطلين، أحاسيس مكبوتة تماما كالأرض التي تحملها. شك، توق، شوق، رغبة، انتظار، توّفق المخرج في نقلها بكاميراه المحمولة بكثير من الصدق.  

ولئن عاد فيلم “تالة مون آمور” الى الأحداث التي عصفت بنظام بن علي والى نضال المرأة التونسية التي صوّرها هميلي بكثير من الحب، فإن الفيلم  يطرح سؤالا مركزيا قد يكون قطب رحى العمل ويتعلق بمعنى “حب الوطن”، فهل أنّ حب الوطن يعني التضحية من أجله والالتزام بقضاياه والنزول الى الشارع عندما يتطلب ذلك مثلما تراه حورية (نجلاء بن عبد الله)، أم أنّ حب الوطن يُمكن أن يتخذ أشكالا أخرى ومنها حب الحياة وأشيائها البسيطة وحب الآخر بمعنى أن تصبح هذه التفاصيل وطنا في حد ذاتها، وذلك وفق ما يراه البطل علي (غانم الزرلي) الذي برر موقفه بفقدانه للأمل في البلد بعد مقتل الشهيد حفناوي مغزاوي ابان انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 وأنّ شيئا لم يتغير منذ تلك الحادثة ولا فائدة من مواصلة النضال.

بحرية سينمائية بالغة، واجه مهدي هميلي بين نظرتين مختلفتين للحياة طارحا اشكال “معنى الوطن”، فهل هو رقعة جغرافية؟ أم هو امرأة؟ أم هو “تدبير رأس”؟ أم مجرد حلم صعب المنال؟ يدفعنا الفيلم للتفكير حول هذه المعاني وللوعي بأننا لا نشتبه دائما. فمن حق كل واحد منا أن يحب البلد على طريقته. تالة حبيبتي أم حورية حبيبتي؟ لكل منا الحق في ذلك…

شيراز بن مراد 

المصدر: الجمهورية