شاه فيصل البعطوط يكتب : الغنوشي..و “الصبر الجميل”..

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / فيصل البعطوط يكتب : الغنوشي..و “الصبر الجميل”.. / Video Streaming

تونس-الاخبارية-وطنية-اراء-رصد
كتب الاعلامي و الكاتب التونسي فيصل البعطوط المقال التالي في صحيفة “العرب” القطرية :
لو وجه السياسيون في تونس بعض اهتمامهم اليومي إلى ما يكتب وما يقال عنهم في وسائل الإعلام السيارة وفي مواقع التواصل الاجتماعي، لما تمكنوا التقدم في عملهم -إن كان لهم عمل- بقيراط واحد، وقد فهم الشيخان الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي ذلك، فكانا أول من قرر العمل بقاعدة أذن العروسة، ومنها في الدارج الشرقي «أذن من طين وأخرى من عجين».
وفي الآونة الأخيرة كثر الكلام عن قرب إعلان طلاق بائن بين الشيخين ، وغذى تلك الشائعات مقتطعات من أحاديث صحافية أدلى بها الرئيس السبسي، وفيها إعلان متجدد عن اعتراضه على «الإسلام السياسي» وما إلى ذلك مما أوحى للبعض بأنه كان يوجه رسائل مبطنة إلى الشيخ راشد الغنوشي، ترجح فرضية الاقتراب من الطلاق، إلا أن أصحاب هذه الطروحات اضطروا إلى ابتلاع ألسنتهم يوم الخميس الماضي وهم يقرؤون بيانا لحركة «النهضة»، تلا مقابلة بين زعيمها راشد الغنوشي و الباجي قائد السبسي.
لم تكن مفردة «حصول الشرف بمقابلة فخامة الرئيس» بلافتة في حد ذاتها، فقد درج الشيخ الغنوشي على استخدامها في أعقاب لقاءات سابقة جمعت الرجلين، لكن أن «يستأذن» من الرئيس للقيام بجولة خارجية، مع إسهاب -في البيان- على تبيان التصاق مواقف «النهضة» في الخارج بخدمة مصالح الدولة التونسية، كان حقا أمرا لافتا.
فهي المرة الأولى التي يتم فيها استعمال فعل «الاستئذان» في بيان رسمي، مع تلطف شديد في الخطاب، لم يكن بمقدور وزير خارجية السبسي نفسه أن يرتقي إليه، وكان ذلك هو الرد الذي اختاره راشد الغنوشي على من تحدثوا عن «طلاق» مع الباجي، حتى لكأنه أظهرهم في مظهر من يأخذون أمانيهم على محمل الحقيقة الحاصلة!
البيان أعاد إلى السطح الحديث عن الطبيعة «الاستراتيجية» للتحالف بين «الشيخين»، رغم المعارضات الحادة في صفوف بعض من يقف خلف كليهما، لكنه أيضا وشى بإصرار الغنوشي على المضي قدما في طريق ممارسة السياسة بكثير من الصبر والدهاء أيضا، فقد تعلم خلال سنوات قليلة من وجوده في تونس ما لم تعلمه له سنوات البعد الطويلة.
والواقع أن معركة الغنوشي السياسية في تونس ليست ضد الأحزاب التي تنافس «النهضة» على الحكم، بقدر ما هي معركة مع «الأفكار المسبقة» والندوب العميقة التي خلفتها له الآلة الإعلامية ولذلك فهو يتسلح الآن بالتلطف الشديد إلى حد «الاستئذان» من الرئيس، ويتقرب من التونسيين إلى حد إهداء الورد إلى لطفي بوشناق، ويجالس سباح تونس الأولمبي أسامة الملولي ملتقطا معه الصور الباسمة، لكنه مع ذلك يبدو للبعض كمن يصيح في وادٍ، يلاحقونه بكتبه السابقة وبأدبياته السابقة، ولم تنفعه مع هؤلاء مفردات من قبيل «المراجعات» أو «تونسة الحركة» أمام تعسر النقد الذاتي في الوقت الحاضر.. لذلك، لأغراض أخرى في نفسه يواصل طريق «الصبر الجميل».;