شاه رياضيون تونسيون في “شراك السياسة”: كسر للاحتكار أم بحث عن المنافع ومزيد الانتشار؟

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / رياضيون تونسيون في “شراك السياسة”: كسر للاحتكار أم بحث عن المنافع ومزيد الانتشار؟ / Video Streaming

يتّفق كثيرون على تعريف السياسة منذ القدم بأنها “لعبة قذرة لا تصلح بأصحاب القلوب الرحيمة”..ولا يتّصل الأمر بالمشهد السائد بتونس فحسب..وانما هو تعريف دارج عبر العصور وعابر للأقطار.
ولأجل ما سبق فان الخوض والنشاط في “هذا الملعب” لم يكن متاحا للجميع بل مثّل حكرا على فئة معيّنة كانت تقتسم المناصب..وفيها طبعا من أجاد النضال كمبدأ..وهنالك من ادّعاه بشكل انتهازي لتبقى التقييمات من اختصاص أهل السياسة للتفرقة بين الغثّ والسمين..
بعد كلّ ذلك، عاش العالم بأسره منذ سنوات على ايقاع تغييرات مفصليّة أعادت توزيع الأوراق لنلاحظ غزوا كبيرا من قبل وجوه تنتمي الى مشارب مختلفة غاصت خارج “مياهها الاقليمية”..لنرى تبعا لذلك أهل الثقافة والرياضة والاعلام والى ما غير ذلك من المجالات في أدوار سياسية ريادية صلب أكثر من حزب على اختلاف المراجع الايديولوجية والمذاهب الفكرية ..وطبعا حتى المطامع السياسية.
وخلال هذه المساحة من أخبار الجمهورية، فاننا سنولي التركيز لزواج المتعة القائم بين السياسة والرياضة في تونس لسبر أغواره ومحاولة كشف غاياته وأهدافه في خضمّ ما يجري من فوضى تسببّب فيها “الميركاتو السياسي” للرياضيين ببلادنا.
وفي الواقع فان ما يجري بتونس يعدّ امتدادا لجملة من التغييرات التي طبعت المنطقة العربية وحتى دول الجوار أوروبيا في البحر الأبيض المتوسّط مما يسّر عبور هذه التيارات “الفكرية” من الحوض الشمالي الى نظيره الجنوبي..وبذلك امتزجت الرياضة بالسياسة وبان جليّا على الأقل في تونس تأثير الثانية بشكل كبير على دائرة صنع القرار في الأولى..
في مقابل ذلك، وحتى لا يتحدّث البعض عن انتهازية مفرطة من قبل بعض المرتمين في شراك السياسة، فلابدّ من عزل بعض الاستثناءات الجميلة من هذه المطامع، فهنالك من يجيد العزف السياسي بفضل ما يمتلكه من زاد معرفي وتكوين أكاديمي.

بن غربية، الرياحي والواعر في بداية التجربة..

في انتخابات ما بعد الثورة بتونس كانت شرارة انطلاق الغزو الرياضي للملعب السياسي وذلك حين برز مهدي بن غربية رئيس النادي البنزرتي سابقا في الحزب الجمهوري قبل أن ينشقّ عنه بالالتحاق بالتحالف الديمقراطي كما هو شأن محمود البارودي رئيس هيئة قرمبالية الرياضية سابقا والذي زامل بن غربية ايديولوجيا قبل الانفصال، اذ أصبح بن غربية وزيرا لدى رئيس الحكومة مكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان..فيما بات البارودي من المقرّبين في الخفاء الى تخوم ما تبقّى من حزب النداء … .
وفي ذات الفترة برز اسم سليم الرياحي بانشائه حزب الاتحاد الوطني الحرّ واستقدامه لشكري الواعر في نفس الحزب قبل “طلاق سياسي سريع للغاية” عقب محصول هزيل للحزب الفتيّ في المرة الأولى..غير أن ميركاتو الرياحي مكّنه لاحقا من رصيد أفضل بكثير في الانتخابات التشريعية الفارطة..
وعلى نفس الايقاع استنجد مؤسّس حزب المبادرة كمال مرجان بكل من المنجي بحر وصابر بن فرج في تجربة لم تنجح خلال انتخابات 2011 وهذا ما عجّل بالانفصال بين جميع الأطراف وسط تهاو مماثل للحزب المذكور.
في المقابل نجح كل من صلاح الزحاف وكذلك اللاعب السابق للنادي الافريقي والملعب القابسي والترجي الجرجيسي ياسين بوشعالة في ذات الاستحقاق معوّلين على اشعاع بارز للاسم الأول وتكوين أكاديمي في اختصاص الحقوق بالنسبة للثاني..
وما دمنا مع الموجة الأولى ممن خاضوا الحراك السياسي في بلادنا لا بدّ من ايراد حالة زياد التلمساني المتعاطف فكريا وسياسيا مع الحزب الجمهوري لرئيسه أحمد نجيب الشابي وكان التلمساني واكب مرارا اجتماعات لهذا الحزب..قبل ظهوره المفاجىء في لقاء جمع بعض الرياضيين كهند الشاوش مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وبترتيب من عادل الدعداع وهو مركز ثقل النهضة رياضيا ومحور جلّ تحركاتها في اطار لم تعتد حركة مونبليزير الخوض فيه..

طارق ذياب من صانع ألعاب الترجي الى النهضة…

من جهته كان اللاعب الدولي السابق للترجي الرياضي والمحلل الفني الحالي لقنوات بي اين سبورت القطرية طارق ذياب قد صنع “الشو” في زمن التحاقه حركة النهضة ولم يتردد في ابداء تعاطفه معها واستماتته في الدفاع عنها منذ أن نصّبته وزيرا للرياضة..ورغم التقلبات المثيرة لتلك الفترة الا أن تلحّفه برداء السياسة نزع خجلا وترددا كبيرين كانا يطبعان عدة وجوه رياضية التحقت فيما بعد بالخارطة السياسية..

“العياشي العجرودي والهاشمي الحامدي يتحرّكان على “جميع الواجهات

ومن الوجوه التي طفت على سطح الأحداث عقب الثورة وأسالت كثيرا من الحبر نذكر العياشي العجرودي مؤسس حركة التونسي للحرية والكرامة، ولم يكن يعرف عن العجرودي سوى دعمه السخيّ لفرق جهة قابس، بيد أنه غيّر التكتيك في سباقه تجاه قصر قرطاج الذي استهواه كيفما اتفق كما هو شأن أخرين ولكنه رمى الديل مبكّرا، ولذلك حاول العجرودي في ظرف ما استغلال أزمتي النجم الساحلي والنادي الافريقي للتقرّب من “الكبارات” في الفريقين بحثا عن منصب الرئيس وما قد يدرّه من شعبية جارفة تبقى بمثابة الأوكسجين الذي يتنفّسه الساسة لتحقيق مآربهم..ليختار الأن التوظيف الاعلامي لخطواته عبر قناته التلفزية وترؤس نادي كرة اليد الحمامات حتى اشعار آخر وربّما لنقل استحقاق سياسي قادم..
نفس التكتيك وظّفه الهاشمي الحامدي مؤسّس تيار المحبة الذي نزع في وقت ما الى دعم اتحاد بنقردان ونجم أولمبيك سيدي بوزيد بحثا عن قليل من “الأوديمات” لقناة المستقلة باشهار اسمها على أقمصة هذين الفريقين وطبعا بحثا عن بعض الأصوات الانتخابية المتناثرة هنا وهنالك..

النداء يسجّل نقاطا بالجملة في شباك الرياضة

منذ صعود حركة نداء تونس على ساحة الأحداث فقد لاحقتها انتقادات كبيرة حول مأتاها الفكري ومرجعيتها السياسية وصلتها بحزب التجمّع المنحل، ولذلك فقد حادت الحركة عن المألوف باعتمادها تشكيلة “‘موزاييك” من مختلف الأطياف والمجالات، ولم تكن هنا الرياضة بمعزل، فحضر مختار التليلي كعضو بارز والتحق رئيس النادي الصفاقسي لطفي عبد الناظر باجتماعات الحزب..وتم تكليف منصف السلامي بترؤس قائمة صفاقس في الانتخابات التشريعية الفارطة بصفاقس ورضا شرف الدين رئيس النجم الساحلي عن نفس الحركة بجهة سوسة وأيضا الرئيس الأسبق لأولمبيك مدنين البشير بن عمر الذي مثّل النداء خلال الانتخابات القادمة بصفته رئيس قائمة في ولاية مدنين..
ودائما مع كواليس الحركة التي تعرف انقسامات بلا حدّ، فقد صرّح الرئيس السابق للنجم الساحلي حافظ حميّد مرارا بأنه ينضوي تحت لوائها كما لم يخف فوزي البنزرتي ميله الفكري لها على اعتبار انها وظفت في بداية صعودها ارث بورقيبة لحشد الصفوف كما أن حافظ قايد السبسي تولّى سابقا خطة نائب رئيس في الترجي..

الملولي والبقية…

لم يقتصر الحضور الرياضي في المشهد السياسي على الأحزاب ذات الثقل الكبير، بل شاهدنا خلال السنوات الفارطة التحاق وجوه رياضية بأحزاب ناشئة ومنها نائب الرئيس سابقا في النادي البنزرتي سمير يعقوب الذي بات قياديا في التيار الديمقراطي لمؤسسه محمد عبّو وكذا شأن الرئيس السابق للترجي الجرجيسي علي الوريمي وأيضا كريم الهلالي رئيس جامعة كرة اليد سابقا وهو سليل حركة “آفاق تونس”..فيما ظهر البطل الأولمبي أسامة الملولي في اجتماع صلب آفاق تونس وتم تسليمه انخراطا شرفيا يبدو أنه لم يقنع البعض حتى يقطعوا سيل الاشارات عن الملولي بأنه أقرب الى النهضة من الأفاق.وهو ما لم ينفه ولم يؤكده سباحنا المثير للجدل في الأونة الأخيرة بما أن هنالك من يصرّ على ربط ظهوره المكثف مؤخرا بأنه غزل صريح للفاعلين بالمشهد السياسي للاقتراب من وزارة المنزه التي كانت صراحة مطمعا للكثيرين قبل أن تقفز الى كرسيها ماجدولين الشارني..

ولنجوم العالم نصيب..

قلنا في مستهلّ الخوض في هذا الجدل ان ما يحصل في تونس ليس بمنأى عن تجاذبات عالمية بين نجوم الرياضة وأباطرة السياسة وان اختلفت الطرق والغايات بين رياضيينا ونجوم العالم..
وفي بسطة موجزة نشير الى ظهور سياسي مكثف لعدة وجوه بارزة عالميا ومنها جورج وياه وروماريو وريفيرا وكالاتزي وصول كامبل وكذلك هاكان سوكور الذي بات مهددا بالسجن بعدما نافس “السلطان أوردوغان” في عرشه بتركيا..كما خاض النجم المغربي مروان شماخ تجربة سياسية خاطفة في فرنسا وكذلك برنار تابي وسبق للبطلة نوال المتوكل تولي مقاليد وزارة الرياضة في المغرب وكذا شأن طاهر أبو زيد في مصر، واستغلّ مرتضى منصور شعبية الزمالك ليتبوّأ مركزا سياسيا بارزا في “أم الدنيا”..وبرز ايريك كانتونا بمواقفه السياسية الجريئة التي أزعجت الرؤساء المتعاقبين على الحكم في فرنسا..وهذا ما يحيلنا على قناعة مفادها أن الشعبية الجارفة لنجوم الرياضة تزعج فعلا مخيّلة قادة العالم..فلا فرق اذن بين افرنجي ولا عربي -سياسيا- الا بدرجة التعلّق بالحكم…

اعداد : طارق العصادي

 

المصدر: الجمهورية