شاه حسب صحيفة الشارع المغاربي، الحاج علي أنشأ جهازا للأمن الموازي

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / حسب صحيفة الشارع المغاربي، الحاج علي أنشأ جهازا للأمن الموازي / Video Streaming

مدونة "الثورة نيوز - عاجل": نشرت الصحفية في الشارع المغاربي "كوثر زنطور" مقالا مطولا حول الأسباب الحقيقية التي تراها الصحيفة تكمن وراء إستقالة المدير العام للأمن الوطني ونظرا لطرافة المقال وتضمنه تحاليل ومعطيات غير متداولة نعيد نشره كاملا

إستقالة عبد الرحمان بالحاج علي.. الرواية الكاملة إتهامات بإحداث جهاز أمني مواز و"الإعداد لإنقلاب"

كوثر زنطور

ساعة ونصف فقط مكنت الحبيب الصيد ( رئيس الحكومة وقتها) من إقناع عبد الرحمان بالحاج علي ،بالعودة إلى المؤسسة الأمنية بعد سنوات قضاها في رحاب العمل الديبلوماسي كسفير لتونس في موريتانيا ثم مالطا.. خرج بالحاج علي من قصر الحكومة بالقصبة وتوجه مباشرة إلى مكتبه الجديد في الطابق الثاني بوزارة الداخلية ... ليغادره بعد سنة و15 يوما بتقديمه إستقالة مثيرة لشتى التساؤلات.

قبل يوم من تقديمه الإستقالة ، كان لـ "بالحاج علي" جلسة عمل مطولة (6 ساعات) جمعته بإطارات إحدى النقابات الأمنية ،وخلالها فوجئ الرجل بكمّ الإنتقادات التي وجهت له من قبل قيادات نقابية أمنية ، وبتهديد خطير بالتصعيد ،وحتى بالمواجهة ، من خلال طرح الإشكالات "والإخلالات" التي تشوب العمل الأمني و" طريقة تسييره أحادية الجانب" و"ملف إعادة هيكلة الوزارة" المثير للجدل ، خلال لقاء مبرمج مع كل من رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير الداخلية الهادي مجدوب.

تلك الجلسة وضعت بالحاج علي أمام معطيات دقيقة بخصوص حالة الإحتقان التي تسود مختلف هياكل الوزارة وجعلته يفهم أن مسألة بقائه في منصبه أصبحت بشكل جلي ملفا متشعبا إختلط فيه السياسي بالأمني وبالشخصي أيضا ، لكن إزاء حالة الصدام التي واجهها بالحاج علي مع "أقطاب الأمن" و"النقابات" ،ومع جزء من السلطة التنفيذية والسياسية، إحتفظ الرجل بهامش للمناورة ، وبمجالات متعددة لإحتواء الأزمة التي تعيش على وقعها المؤسسة الأمنية ... فلماذا فضّل بالحاج علي الإنسحاب والإستقالة بشكل لم يكن ينتظره الأصدقاء قبل الخصوم ؟

* الجانب الأمني:

بدأت تشكّيات الأمنيّين من عبد الرحمان بالحاج علي بعد أسابيع قليلة من إنطلاقه في الإشراف على دواليب الإدارة العامة للأمن الوطني، فصرامة الرجل وما يصفه مقرّبون منه بـ "تمرده" على "حالة التسيّب" التي تتخبط فيها المؤسسة الأمنية خلال الخمس سنوات الأخيرة، خلقت له مجموعة من الخصوم يرون في العائد بعد سنوات "إلى رحاب الوزارة"، " القيادي الأمني غير المرحب به" .

إنطلقت أول أزمة فعلية بينه وبين قيادات أمنية ، عقب الإعلان عن التعيينات في مناصب الملحقين الأمنيين بالخارج ، يومها وجد بالحاج علي نفسه أمام موجة من التشكيات ، بسبب تدخله المباشر في تحديد القائمة وفقا لـ"منطق الولاءات والترضيات السياسية" ، فأتّهم بإبعاد الكفاءات مقابل تنصيب "مقربين" منه ومتهمين بالضلوع في ما يعرف بـ" حادثة الثكنة" التي رفع فيها شعار "ديقاج" في وجه الرئاسات الثلاث (المنصف المرزوقي وعلي العريض ومصطفى بن جعفر)

منذ ذلك التاريخ تتالت الأزمات الصامتة صلب الوزارة ، وخلالها حافظ بالحاج علي على موازين القوى لصالحه ، بحكم الدعم التام الذي مُكّن منه من قبل الحبيب الصيد ، دعم مفهوم في نظر عارفين بكواليس القصبة ومواكبين لملف تعيين بالحاج علي، ذاك الملف الذي ضمّ عدة شروط من أبرزها التمتع بصلاحيات واسعة تمكنه من تفعيل إستراتيجية كاملة تعيد لوزارة الداخلية هيبتها.

كان لـ "بالحاج علي" ما طلب فعلا ، وبات في ظرف وجيز الرجل الأقوى صلب الوزارة السيادية الأهم ، القلب النابض للحكم، يُعيّن ويُقيل ، ويعزل من يشاء ،... لتكون الحصيلة بعد أشهر تهميش لدور وزير الداخلية الهادي مجدوب، الذي لم يكن له خلال فترة عمله مع بالحاج علي أية تحفّظات بخصوص ما يسميه البعض "تغوّل مدير عام الامن الوطني على جل الصلاحيات".. ان لم نقل كلها .

غادر الصيد ، وبقي بالحاج علي والوزير مجدوب ورغم كل الإتهامات التي وجهت له (بالحاج علي) و أبرزها تهمة التجسّس على عائلة الرئيس الباجي قائد السبسي وعلى نجله "حافظ" . صمد الرجل وفي الكواليس روايات حول "أجندة البقاء" ، وشبهات عقده صفقة سياسية مع قائد السبسي الإبن ، إنتهت بمقتضاها فترة الخصومة وإنطلقت مرحلة التحالف والتنسيق شبه اليومي .

بقاء عزز من قبضة الرجل على الجهاز الأمني ،وأضعف الوزير مجدوب ، ومكّن أيضا المدير العام المستقيل من تصفية خصومه في الإدارات العامة ،بطريقة "مذلّة" ،ومن إبعاد حلفاء الأمس الواحد تلك الآخر ،خاصة أولئك المحسوبين على الحبيب الصيد .. وبعدها إنطلقت معركة وسجال أمني جديد ، هذه المرة بين "أقطاب الأمن الوطني الثلاثة".

فلا يخفى على المتابعين للشأن الأمني ،علاقة التوتّر والصدام التي تجمع بينهم و بالحاج علي : مدير عام الأمن الوطني وأمر الحرس الوطني ومدير عام الأمن الرئاسي ، ذاك الصدام تطور سريعا ليخرج من دائرة الإختلافات والتنافس بين الثلاثي المذكور ، ويتحول إلى حرب ضروس عنوانها " البقاء للأقوى".

ما تؤكده مصادر متقاطعة في هذا المجال، أن بالحاج علي نزل بثقله للعمل على إبعاد الثنائي : أمر الحرس ومدير عام الأمن الرئاسي، من خلال تعزيز تحالفه مع حزبي الحكم النهضة والنداء، تجلى في التعيينات بالتحديد، والتي كان فيها للحزبين المذكورين النصيب الأكبر من الكعكعة ،والكلمة الفصل .

هذا الحراك طرح خلال آخر إجتماع عقده بالحاج علي مع نقابة أمنية، نبهت المدير العام للأمن الوطني من "تبعات وتداعيات" ما يتداول حول الصفقة التي أبرمها مع حافظ قائد السبسي، لإبعاد آمر الحرس الوطني ومدير عام الأمن الرئاسي مقابل "قبوله بشروطه" وطلباته .. بالحاج علي أنكر منفعلا كل تلك الإتهامات وإحتفظ لنفسه بحق إستنكار " عمليات التشويه المتواصلة التي تطاله من أطراف سياسية تريد التحكّم في الجهاز الأمني وتطويعه".

إلا أن إقرار بالحاج علي جملة من التغييرات على هيكلة الوزارة دون تشريك مختلف الأطراف الفاعلة من قيادات أمنية ونقابات ، بات محل "ريبة وتوجّس" من قبل سياسيين وأمنيين حسب ما كشفه مصدر أمني رفيع المستوى لـ "الشارع المغاربي".

هذا المصدر ذهب أبعد من ذلك ليتهم بشكل مباشر مدير عام الأمن الوطني المستقيل بـ"إرساء أمن مواز" قادر على تنفيذ أية أجندة "أمنية أو سياسية" يحيكها الحاج علي ، ومنها حتى " التحكّم في نظام الحكم في صورة تطورت الأمور بشكل سلبي بحدوث إحتجاجات شعبية مثلا" قبل أن يضيف " الإحداثات التي أقرها بالحاج علي تمكنه نظريا من تنفيذ إنقلاب حتى وإن كان الأمر مستبعدا في تونس" .

وبالعودة إلى هذه الأحداثات فقد أقر بالحاج علي إلحاق المصلحة الأمنية التي تعود بالنظر إلى الإدارة العامة لوحدات التدخل ،بشكل مباشر به ،ثم بادر بتغيير تسميتها لتصبح "الوحدة الأمنية المركزية" ، ونذكر بأن المصلحة الأمنية هي وحدة مختصة في تأمين الشخصيات الرسمية والسياسية والديبلوماسية وفي حماية المنشآت أيضا".

كما قام بالحاج علي بإحداث أفواج متنقلة في الطريق العمومي تخضع بشكل مباشر إلى إمرته، ويمتد نشاطها إلى كامل تراب الجمهورية بما فيها مهام حفظ الأمن والنظام .. وتلك المهام موكولة قانونيا إلى الإدارة العامة لوحدات التدخل .

إعادة الهيكلة شملت أيضا، أحداث ما يشبه ديوان للمدير العام للأمن الوطني ، يتكون مما يناهز 15 شخصا ويضم مصلحة للإعلام والإتصال وممثلين عن مختلف الإدارات العامة، بما جعل الإدارة العامة للإمن الوطني شبيهة حسب تعبير مصدر من الوزارة ، بهيئة أركان مصغّرة.

وكان من المنتظر أن يتم إلحاق المراكز الأمنية للإذاعة والتلفزة الوطنية ، بالوحدة الأمنية المركزية ، بعد أن كانت راجعة بالنظر إلى الإدارة العامة لوحدات التدخل ، وكان المدير العام للأمن الوطني المستقيل قدم مقترحا لرئيس الحكومة يوسف الشاهد ، لإحداث مصلحة للحدود ، وطلب إلحاق الفوج الوطني لمجابهة الإرهاب (bat) بالإدارة العامة للأمن الوطني.

إزاء هذه التغييرات الهيكيلة ، إزدادت رقعة خصوم بالحاج علي لاسيما أن الإحداثات والتغييرات المذكورة لم تتم ،وفق ما أكدت مصادر موثوقة لـ"الشارع المغاربي" ، كما هو معتاد بمحاضر جلسة ممصاة من قبل مختلف الأطراف المتداخلة، وبإتفاق مع المديرين العامين حسب رؤية أمنية وفي إطار تصور شامل.

* السياسي والشخصي:

كان لعبد الرحمان بالحاج علي لقاء مطول مع يوسف الشاهد ،يوما واحد بعد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل ما يسمى بـ"حكومة الوحدة الوطنية". خلال ذلك اللقاء قدم الشاهد (حسب مصادر حكومية وامنية) دعمه لبلحاج علي ، بل ووعده بحقيبة الداخلية إبان أول تحوير وزاري في صورة تواصل النجاحات الأمنية .

غادر بالحاج علي دار الضيافة ، وتوجه للقاء خصم الأمس حافظ قائد السبسي ، وتم توضيح حقيقة" قيامه بالتجسّس عليه (حافظ قائد السبسي) ورفع تقارير تخص نشاطاته لرئيس الحكومة الحبيب الصيد .. إتفق الرجلان على طي صفحة الماضي .. وتتالت اللقاءات وتحولت الخصومة إلى تنسيق وفي ذهن كل طرف (قائد السبسي وبالحاج علي) تقارب مصلحي ينتهي بتغيّر موزايين القوى السياسية .

بالتوازي مع هذا الإتفاق، إنشغل المدير العام للأمن الوطني المستقيل مستعينا بتجربة سنوات العمل الديبلوماسي بتوسيع دائرة " داعميه" من مختلف التيارات والأحزاب السياسية ، ومن النواب وإعلاميين ونقابيين وناشطين في المجتمع المدني ،وفتح مكتبه بقبعة السفير ،لإستقبال ضيوفه، لتقييم الوضع العام وللتسويق لـ" نجاحات الوزارة على المستوى الامني ".

تلك الزيارات مكّنت الكثيرين من الوقوف على "طموحات" الرجل ، وعلى فلسفته في إدارة الشأن الأمني، القائمة على " ربان واحد يقود السفينة" ..، بالحاج علي الذي كان ينظر بعيون طموحة ومؤكدة لمنصب وزير الداخلية ، بعد وعد يوسف الشاهد وتتالي معطيات حول إمكانية إبعاد الهادي مجدوب ، إستبق الخطوات وغرق في تفاصيل أفقدته الكثير من مسانديه.

آخرهم الوزير الهادي مجدوب، الذي إنتقد في آخر لقاء جمعه بالحاج علي ، عملية الإحداثات المتتالية ،وإتصاله بشكل مباشر بيوسف الشاهد ، وأعلمه بتشكّيات عدد من المديرين العامين ،حول تجاوز "سافر" لصلاحياتهم ،وتقزيمهم أمام منظوريهم .

طبع الرجل " الصارم"، جعله يقرر المغادرة وينتظر المناشدة (حسب تقديرات البعض) للعودة إلى مكتبه بعد أن قدم إستقالة مفاجئة، وغير مفهومة، رغم كل الصراعات المفتوحة التي يواجهها مع أكثر من طرف فاعل داخل الوزارة وخارجها .

فالمعطيات المتقاطعة ، تؤكد ان إقالة بالحاج علي كانت تُطبخ في كواليس القصبة وقرطاج، وكانت تنتظر موعدا مناسبا لتفعيلها ، اذ ان ملف إعادة الهيكلة بالتحديد جعل بالحاج علي في موضع " شك" من قبل رئاستي الجمهورية والحكومة،وافقده رابط الثقة الهش مع مجموعة من داعميه.

وأن تجمع جلّ الوقائع ، على أن بالحاج علي كان قادرا على المواصلة في منصبه الى حدود شهرين آخرين على الاقل، فإن تسرعه في الخروج من الوزارة يعتبر في بعض القراءات حفظا لما تبقى له من ماء الوجه ، وفي قراءات اخرى عملية إنقاذ ذكية لسجله بالوزارة ، التي عرفت نجاحات أمنية لا ينكرها أحد .

اليوم تتعدد الروايات حول أسباب تقديم بالحاج علي إستقالته، وهي في نظرنا بعيدة كل البعد عن ضغط نجل الرئيس حافظ قائد السبسي ، لاسيما بعد التطور الحاصل في العلاقة بينهما ، البعض يُشبّه إستقالته بالإستقالة الغامضة للجنرال رشيد عمار.. وآخرون يؤكدون أن بالحاج علي، أحد رجالات الرئيس الأسبق بن علي ، لم يرم المنديل وسيعود قريبا من بوابة آخر.