شاه المؤرخ علية عميرة الصغير يكتب عن اليسار والحكم في تونس في ظروف الانتقال الديمقراطي

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / المؤرخ علية عميرة الصغير يكتب عن اليسار والحكم في تونس في ظروف الانتقال الديمقراطي / Video Streaming

نشر الجامعي والمؤرخ التونسي علية عمير الصغيرة على صفحته الرسمية بالفايسبوك مقالا حول اليسار والحكم في تونس في ظروف الانتقال الديمقراطي ( 2011-2016)، محور الندوة الفكرية التي نظمتها مؤسسة حسن السعداوي للديمقراطية والمساواة بالتعاون مع مؤسس روزا لوكسمبورغ..

وجاء في المقال ما يلي:

“هي الندوة الفكرية التي نظمتها هذا الصباح (3 ديسمبر) مؤسسة حسن السعداوي للديمقراطية و المساواة بالتعاون مع مؤسس روزا لوكسمبورغ و قد قدمت فيها مداخلات قيمة متبوعة بنقاش هادئ تناول هذا المبحث و تفرعاته الأخرى .فهي ندوة ناجحة و اثارت قضايا هامة منها ما اليسار؟ و متى يشارك في الحكم و كيف ؟ وعلاقة مكوناته في ما بينها و كيف تستجيب لترقبات المجتمع و كيف تتصدى لخطر القوى الرجعية و خاصة مجاميع الاسلام السياسي و مساهمة منّي في الحوار الذي دار أعيد نشر وجهة نظري في ضرورة تكوين حزب تقدمي يخرج قوى اليسار من التشتت و يرتقي بها من وضع أصوات احتجاج فقط الى درجة قوة سياسية فاعلة.

حزب يساري أم حزب تقدّمي؟

لا تؤسس الأحزاب السياسيّة هكذا كما يريدها أصحابها و لا تسمّى كما اتفق، الا اذا كانت الغاية تحقيقا لنرجسية مؤسسيها فحسب. الأحزاب السياسية تؤسس للفعل في الواقع و خاصة للوصول للسلطة لتحقيق غايات محددة تنطلق من هوية الحزب و من أهداف بعثه، و يُؤسس الحزب انطلاقا من التقييم الموضوعي للشروط الموضوعية و الذاتية للمجتمع و للبلد التي يتحرك فيه المؤسسون ، بما فيها نضجها السياسي و الثقافي ، لا نقلا لصور من الخارج و من التاريخ.
تونس حاليا في حاجة لحزب تقدّمي وطني يجمع شتات ليس فقط قوى اليسار ذات المرجعية الماركسية بل جميع القوى الديمقراطية الاجتماعية الأخرى و لو كانت مرجعاياتها الفكرية قومية أو ليبرالية ( أحزاب ، نقابات ، جمعيات ثقافية و فنية ، جمعيات شبابية ، جمعيات نسائية ، جمعيات بيئية…) .حزب سياسي لا عقائدي .حزب تقدّمي لأنه يصبو لتكريس قيم الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية الوطنيّة.جمهورية مدنية تفصل الديني عن السياسي و تضمن الحريات الخاصة و العامة ، الحريات السياسية وما تفترضه الأنظمة الديمقراطية من تعدد حزبي و تنافس على السلطة و التداول عليها و انتخابات حرة..

حزب اجتماعي ،ليس حزبا اشتراكيا ،و ليس معاديا للرأسمالية في المطلق ، هو حزب يناهض الرأسمالية المتوحشة و ما تفرضه من ضرب لمفهوم دولة الرعاية الاجتماعية و لا يعادي الرأسمالية في المطلق، حزب اجتماعي لأنه يعمل على التوزيع الأقرب للعدل لثمرة العمل ، أي التوزيع العادل للثروة ( بين المواطنين و بين الجهات) عبر آليات الضرائب و الإحاطة الاجتماعية ( ضمان لكافة المجتمع الخدمات الصحية و الثقافية والتعليمية …)،

وهو وطني أي يعمل على الدفاع عن مقدرات بلاده و الحفاظ على سيادة الوطن من املاءات الدول الأجنبية والبنوك الدولية. و هو تقدّمي لأنه يعمل على تكريس الحقوق و الحريات لكل مواطنيه و المساواة بينهم و رفع التمييز ضد النساء وضد الأقليات و هو تقدمي لأنه يلتزم بنشر ثقافة تقدمية و التشجيع عليها تقوم على تكريس قيم العقل العمل و العلم و الجمال و الحب و التسامح. و هو تقدمي لأنه يقاوم ثقافة الجهل و التزمت و التعصب و التكفير و الإرهاب …التي تحملها المجاميع الإسلامية السياسية إن كانت أحزابا أو جمعيات.

وهو تقدمي لأنه يساند القضايا العادلة للشعوب في العالم للتحرر من الاستعمار أو من ربقة الاحتكارات العالمية ولا يعادي الشعوب و الدول في المطلق و يعمل على نشر السلم و الوئام بينها و بوصلته دائما مصلحة وطنه أولا و ثانيا.

تسمية ”الحزب التقدمي الوطني“ تُعفي هذا التنظيم مما توحي به كلمة“يسار“ في مجتمعنا لدى عامة الناس و حتى لدى النخب من سلبيات ، لما السقته بها القوى الرجعية من شبهات الكفر والعداء للإسلام والانحلال الأخلاقي والانبتات عن الواقع و الغربة و التبعية للدول الشيوعية و حتى الماضويّة.كذلك اعتماد صفة“التقدّميّة“، اضافة لما لها من شحنة ايجابية (التقدّم في ذهن الجميع يعني التحضر و فرحة الحياة )، هي أعمّ و أشمل من عبارة ”يسار“ و هي قادرة على استيعاب روافد سياسية متعددة لكن تلتقي كلها في غايات قريبة مشتركة على الاقل و هي الأيمان بقدرة الإنسان على أن يصنع حياة أخرى تقوم على العلم و العمل و الحرية و العدالة .

ليتحقق بناء هذا ”الحزب التقدمي الوطني“ على التنظيمات الماركسية بالخصوص أن تراجع مساراتها و مسارات الأحزاب السياسية الأم التي تتماهى معها من حزب لينين الى حزب ماوتسي تونق و تستخلص الدروس من تضحياتها الجسام التي لم ينتفع بها الا خصومها و حتى أعداؤها، لأنها لم تراجع خطابها و لا وسائل اشتغالها و لم تعرف كيف تستقطب الفئات و الطبقات التي تعتقد انها تدافع عنها و تمثلها و لم تكيّف كلّ ذلك حسب درجة نضج مجتمعها. على الأحزاب اليسارية إن تقوم بعملية ”فورمطاج“ لعقولها المسيّرة و الا بقيت ”تحصد لغيرها“ و لزمن طويل و ليأخذوا العبرة من تجربة الخمس سنوات الأخيرة.

عميره عليّه الصغيّر”

المصدر: الجمهورية