شاه نوفل سلامة : خطاب الرئيس الفرنسي حول الأزمة قد يطفئ الحريق ولكنه لن يحلها

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / نوفل سلامة : خطاب الرئيس الفرنسي حول الأزمة قد يطفئ الحريق ولكنه لن يحلها / Video Streaming

كتب نوفل سلامة 

بعد ثلاثة أسابيع من احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا والتي هزت المجتمع في قيمه وأفكاره وديمقراطيته ومنظومته للحريات والحقوق. وبعد تصاعد الغضب الشبعي من السياسات الاقتصادية ومن الخيارات الاجتماعية المطبقة ومن سياسة العولمة وخيار الاندماج في منظومة الاتحاد الأوروبي التي يتهمها الفرنسيون بالمسؤولية عما ألت إليه أوضاعهم المعيشية من تراجع وتدهور فقدوا بسببها سعادتهم وتم إيهامهم بالرفاهية وباعوا لهم الرفاه الزائف وبعد أن تطورت الأوضاع إلى ما لا يحمد عقباه بحصول صدامات مع رجال الشرطة وأعمال عرق وشغب وإعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة وشلل في الحياة اليومية ما جعل المحللين والمتابعين يطلقون صيحة فزع وخوف من سير الشعب الفرنسي نحو الضياع والبلاد نحو مصير مجهول والدولة مهددة بحدوث ثورة شعبية قد لا يتحكم النظام فيها.

بعد الاحتجاجات التي بدأ مداها يتوسع ومعها بدأ يتعمق التأييد لها ويتسع سقف مطالبها كان لزاما على الرئيس إمانويل ماكرون أن يتدخل ويخرج للشعب مخاطبا ومتواصلا معه بعد أن انتقد في الأسابيع الأخيرة انتقادا لاذعا واتهم بكونه رئيس لا يصغي إلى شعبه فكان خطابه ليلة الاثنين 10 ديسمبر الجاري في كلمة وصفت بالقصيرة لم تتجاوز 13 دقيقة ولكنها كانت كلمة واضحة ومعبرة قال فيها الكثير من الكلام المفيد وتقدم لعموم الشعب الفرنسي بقرارات يتوقع أن تلقى الرضى في الشارع الفرنسي و في صفوف الطبقة المتوسطة والكثير من أصحاب السترات الصفراء.

من هذه المقترحات التي سوف تلقي بضلالها على المشهد الفرنسي في قادم الأيام  وقد تحدد مصير احتجاجات السترات الصفراء قرار الترفيع في الأجر الأدنى للعمال بـ 100 أورو بداية من سنة 2019 معفاة من الضرائب وإقرار منحة لدعم المقدرة الشرائية للعائلات المعوزة و إعفاء الساعات العمل الاضافية من الضرائب وإجراء آخر بالنسبة للمتقاعدين يخص إلغاء الضرائب على جزء من جرايتهم للتقاعد و الغاء الضريبة على الرعايا الاجتماعية وأخيرا اقرار ضريبة على الشركات الرابحة.  

إن كل هذه الحزمة من الاجراءات العاجلة التي اتخذها الرئيس الفرنسي لإطفاء حريق الاحتجاجات والتي ترمي إلى تحسين المقدرة الشرائية للعمال وأصحاب الطبقة المتوسطة التي باتت مرهقة من كثرة الضرائب وهذه القرارات التي اتخذها للتقليل من العبء الضريبي رغم كلفتها المالية على موازنة الدولة واعتراض كلا من وزير العمل ووزير المالية عن اقرارها هي محاولة لمعالجة الوضع الذي بدأ ينفلت ومحاولة لإطفاء الغضب الذي بدأ يتأجج ويتفاقم هي إجراءات في نظر المراقبين والمتتبعين للشأن الفرنسي لا بد منها وهي خطوة كان على الرئيس الفرنسي القيام رغم أن التعهدات مع الاتحاد الاوروبي تعيق وتمنع ذلك خاصة فيما يتعلق بضرورة التزام فرنسا بنسبة عجز في الميزانية العادة للبلاد لا تتجاوز نسبة 3 %  ويبدو أن القرارات التي اتخذها لإلغاء الكثير من الضرائب والزيادة في الأجر الأداني سيكون لها تداعيات واضحة على الموازنة العامة وعلى ما اتفق عليه ماكرون مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي غير أن حاكم فرنسا قد فهم أن الوضع لا يحتمل السكوت أكثر ويتطلب الاعتراف للشعب الفرنسي بوجود عطب وفشل وأخطاء قد ارتكبت في السياسات الحكومية تعود إلى 40 سنة هي التي أدت اليوم إلى خروج الناس محتجين على صعوبة الحياة وغاضبين من كثرة الضرائب وضعف المقدرة الشرائية وهذا فعلا ما جاء في كلمته الموجزة والتي اعترف فيها بالذنب واتهم كل من حكم فرنسا من عدم القدرة على إعطاء الإجابات الصحيحة على تساؤلات الناس وعن الفشل في وضع سياسة جبائية عادلة ومنصفة لجميع الفرنسيين وهذا يتطلب حسب ماكرون إصلاح عميق أول في الدولة وطريقة تنظيمها وإصلاح ثان في منظومة التقاعد وإصلاح ثالث في حلول البطالة وإصلاح رابع في تركيز منظومة عادلة للضريبة لا يكون فيها المواطن العادي هو من يحمل لوحده عبأها وإنما تحمل معه هذا العبء الشركات الكبرى التي تحقق الارباح لكل ذلك أعلن عن حاجته لحالة طوارئ اقتصادية واجتماعية للتعبير عن عمق الازمة التي تمر بها فرنسا وهي أزمة خطيرة لامست النظام العام المهدد بالانهيار ولامست الدولة بالخروج عنها وإعلان الثورة عليها ولامست منظومة القيم المشتركة والتي لم تقدر أن تستوعب الأزمة وتجنب البلاد خيار الاحتجاج والغضب المتواصل ولامست أزمة التمثيلية لدى الشعب الفرنسي الذي فقد ثقته في الأطر التقليدية فلم يعد يثق لا في الأحزاب ولا في النقابات ولا في الدولة وأصبح يعبر عن حقوقه ويدافع عنها بنفسه و يتولى تمثيل نفسه بنفسه وهذا تحول كبير وإرهاص على حدوث تحولات كبرى في مسألة التمثيلية للحديث عن مدى حاجة الناس اليوم للأحزاب والمنظمات والجمعيات وهل ما زالت هذه الهياكل مفيدة أمام الفشل المتواصل للديمقراطية التمثيلية في احترام الوعود الانتخابية وتحقيق مصالح الناخبين وانتظراتهم ؟ 

ما يخشى اليوم بعد هذه القرارات التي صرح بها الرئيس الفرنسي شعبه هو أن لا تنال الرضى عند أصحاب السترات الصفراء وأن لا يقبل بها وأن يفهم منها محاولة لإطفاء الحريق في البيت الفرنسي والحال أن أزمة المجتمع الفرنسي هي أعمق من ذلك بكثير إنها أزمة خيارات اقتصادية غير مجدية وسياسة اجتماعية مرتهنة لمنظومة العولمة ومرتبطة بالوحدة الاقتصادية الأوروبية ولها علاقة بالهوية الفرنسية وبالإجابة عن سؤال كبير من نحن ؟ وبإجراء حوار حول الهوية العميقة لفرنسا وحول الحاجة للمصالحة مع هذه الهوية الضائعة وهو حديث يظهر اليوم في كلمة ماكرون إلى شعبه في علاقة بموضوع الهجرة الذي ألقى بضلاله خلال احتجاجات السترات الصفراء وكشف أن فرنسا إلى جانب أزمتها الاقتصادية والمالية فإنها تعيش أزمة أخرى تخص هويتها وانتمائها وتعريفها إن احتجاجات السترات الصفراء تطلب من الرئيس الفرنسي أن يجيبهم على سؤال : من نحن ؟

المصدر: الصريح


TH1NEWS