أصبح الخوف من عودة التجمع هاجسا مسيطرا على جانب هام من الناشطين في الساحة السياسية ، وكان البعض من أصحاب الأجندات المشبوهة يعملون جاهدين على تذكية هذا الهاجس وإضرام لهيبه بشكل إستفزازي ، في حين عمد البعض الآخر إلى شيطنة الدساترة والتجمعيين لمآرب أخرى ، حتى تشكلت ،شيئا فشيئا، أسطورة “ماكينة التجمع” التي عادت إلى الدوران، بما في الأسطورة من زيف وتضخيم وترهيب، وبدا وكأن التجمع قد استعاد عافيته وانطلق في اكتساح الساحة بسرعة وقوة !!!
المتأكد هو ان التجمع المنحل لن يعود ، ولا أحد، حتى من أنصاره، يرغب في عودته ، وقد تشكلت عدة أحزاب ذات مرجعية دستورية بقيادة رموز التجمع ولكنها لم تنجح في استقطاب الدساترة كما جدت محاولات متعددة لتوحيد هذه الأحزاب لكنها باءت بالفشل الذريع لأن التجمع الدستوري الديمقراطي ، كان قبل الرابع عشر من جانفي 2011 يعمل في إطار هيكلي منظم جدا وعبر مركزية قوية وهياكل جهوية ومحلية نافذة ولوبيات مالية مؤثرة ، وقواعد إدارية يقظة، وقد إنهار كل هذا تماما ومعه تفككت آليات الماكينة فكيف يعقل أن تعود ؟ كما لم يكن التجمع الدستوري الديمقراطي في السنوات السابقة لقرار حله ، قويا كما كان الحزب الإشتراكي الدستوري في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة الذي أنقذته الماكينة الدستورية الفاعلة والحاسمة من السقوط في ثلاث مناسبات على الأقل، بعد فشل تجربة التعاضد، وخلال أحداث الصدام بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل في جانفي 1978ثم في انتفاضة الخبز ،جانفي 1984. وهي الماكينة التي فقدت فاعليتها في العهد السابق وعجزت عن إنقاذ زين العابدين بن علي في الرابع عشر من جانفي ، بل ساهمت في إسقاطه، وتؤكد العديد من المعلومات ان التجمع الدستوري الديمقراطي شهد في السنوات الخمس السابقة لحله إنهيارا تدريجيا متسارعا مما أفقده تأثيره في الساحة السياسية والشعبية عموما. فكيف ،إذن، لماكينة مهترئة ومفككة الأوصال أن تستعيد وجودها وقوتها وتصبح مبعث تخويف وترهيب.
المصدر: الصريح