شاه المنصف بن مراد يتحدّث عن ناجي جلول ولطفي العماري، ويوجّه هذه الرسالة العاجلة!

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / المنصف بن مراد يتحدّث عن ناجي جلول ولطفي العماري، ويوجّه هذه الرسالة العاجلة! / Video Streaming

بقلم: المنصف بن مراد 

هذه المرّة ثلاثة مواضيع جلبت اهتمامي، ولئن كانت متفاوتة الأهمية، فكلّها ذات معان ودلالات.. 

في ما يخصّ مؤتمر الاستثمار أرجو له النّجاح لأنّ تونس بحاجة لمساندة جدية وملموسة حتى تخرج من النفق الذي تردّت فيه.
بالنسبة الى المؤسسات الأجنبية الخاصة التي ينتظر منها الاستثمار في تونس، هناك شروط يطالب بها المستثمر وأعني الاستقرار الاجتماعي الذي يرفض الاضرابات والاحتجاجات وإهانة المستثمر وتعطيل الشّغل وتسييس المطالبة بالزيادة في الأجور والتقليص من البيروقراطية والإجراءات الديوانيّة،  كما يدرس المستثمر الأجنبي مردودية استثماره  مقارنة ببلدان أخرى، وقبل ان يشرع في العمل، يتعمّق في مجلة الاستثمارات ويطلع على الوضع الاجتماعي والسياسي والأمني انطلاقا من المعطيات التي توفّرها له سفارة بلاده..

أمّا الحكومات الأجنبية التي ستحضر المؤتمر فلا يمكن أن نصفها بالحكومات الصديقة فهي لا تقدم أيّة مساعدة لا تخدم مصالحها بل هناك منافع، وكان على حكومتنا أن تنظم حملة تحسيسيّة حتى تقنع الغرب انّ بلادنا هي الخطّ الدّفاعي في شمال افريقيا والذي يمنع المجموعات الارهابيّة من التسلل الى أوروبا والإضرار بها.. انه من مصلحة الدول الأوروبّية دعم تونس أمنيا حتى تحمي مصالحها.. عليها دعمنا على مستوى التجهيزات والمعلومات والتكوين دون حسابات ولا تقاعس لأنّ بلادنا هي درع القارّة العجوز الذي يحميها من اجرام الارهابيين، لكن بكل اسف لم تع أوروبا (أو ربما تتجاهل ذلك) الأهمّية الأمنية لبلادنا ومازالت تمتنع عن تقديم المساعدة الضرورية وخاصّة الكافية..
كما انّ على الحكومات الأوروبّية ان تدرك انّ مكافحة الهجرة السرية للتونسيين المتجهين الى أوروبا تتطلّب دعم الاقتصاد التونسي وخاصّة في الولايات التي وقع اقصاؤها من التنمية خلال اكثر من نصف قرن (بنية تحتية ، صحّة، تعليم، احداث مواطن شغل).. كما انّ على الولايات المتحدة التي يرأسها «دونالد ترامب» أن تعي أنّ القضاء على الحركات الارهابيّة يستوجب في ما يستوجب الوقوف الى جانب تونس بجدية..
أما الحكومات العربية وأقصد منها الخليجية فانه من الصعب التعويل على مساعداتها لأنّها تساند الاسلام المتطرّف وتحبّذ الاستثمار في البلدان الغربية..  علما انّ الإمارات العربيّة المتحدة مستاءة من الحكومة التونسية بعد ان وعدها حزب نداء تونس قبل انتخابات 2014 بمحاربة الأحزاب الدّينية ثم راوغها بعد فوزه.. في الختام أرجو أن تكلّل أعمال هذا المؤتمر بالنّجاح حتى نتجنّب السّقوط في الهاوية.

لنأت الى الموضوع الثاني في افتتاحية اليوم   ويتعلّق بالوزير ناجي جلول والحملة ضدّه والتي ترمي الى إقالته.. أنا لم ألتق بناجي جلول قبل تعيينه وزيرا ولا بعد ان تقلّد هذه المسؤولية، لكن ما لاحظته هو انّه من بين وزراء التعليم القلائل الذين حاولوا تطوير منظومة التعليم في تونس بعد استشارة وطنية،  علما انّ مشروعه ليس الأفضل لكنه ثمرة الاجتهاد والرّغبة في الارتقاء بالتعليم.
قد تكون محاولة اقالته من منصبه مرتبطة بعزمه على القيام بإصلاحات جذرية رغم معارضة النّقابة التي جعلت من عدائها للوزير خيارا أساسيا واستراتيجيا وكأنّها تريد تكرير سيناريو عزل مدير مستشفى صفاقس الذي تصدّى للفساد، ولكن وزيرة الصحّة الجديدة غيّرته في نهاية المطاف.. فهل أصبحت  الدولة التونسية ضعيفة لهذا الحدّ حتى تفرض نقابة التعليم عزل ناجي جلول انطلاقا من حسابات يسارية وقوميّة ولو أنّ تصريحات رئيس الحكومة طمأنت الرأي العام؟ ولقد كانت الحكمة تقتضي أن تقدم النّقابة اقتراحات ومشروعا بديلا عوض ان تشنّ حربا قد تضرّ بالنظام التربوي والتعليمي في تونس! فما هي مآخذها على مشروع ناجي جلول؟ ولماذا هذا العداء للوزير وإن كنت احترم كل المواقف النقابية التي لا تهدّد بتكبيل المدارس والمعاهد لأنّ الاضرابات ستضرّ حتما بمستوى التعليم وقد تؤثّر على مدنيّته! يبدو لي انّ موقف النقابة جدير بالاحترام ما لم يضر بمصلحة التلاميذ لكن هناك تصعيد وتجنيد غير مسؤولين ضد ناجي جلول وكأنّ ا الأمر تحوّل إلى مشكلة شخصية بين النقابيين اليساريين والقوميين وبين الوزير! وعندما نشاهد تلاميذ يشتمون ممثلا عن الوزارة نتأكد انّ نظامنا التعليمي أو بالأحرى ما بقي منه بصدد فقدان كل الثوابت والضوابط الأخلاقية التي كانت تميّزه ليصبح السبّ والشّتم من أسلحة «تلاميذ» كان من الفروض ألاّ يشاركوا في تحركات سياسية ومحاولات تصفية حسابات ايديولوجية..
انّ تكرار الاضرابات والضغط لتنحية الوزير ناجي جلول أمر محير وخطير لأننا انتقلنا من الحوار الى الصّدام الذي ستكون أجيال كاملة من ضحاياه.. قد تنتقي كل الثوابت أمام تلامذتنا وستتحول مدارسنا ومعاهدُنا الى ميادين تتحكّم فيها الايديولوجيا والديمقراطية الفوضوية.. وعلى العموم يبقى سؤال مطروحا: لفائدة من هذه التحركات والحال انّ وزير التعليم يستعدّ لانجاز الاصلاحات المزمع إحداثها؟ انّ ناجي جلول من خيرة وزرائنا!
في الختام،  وقع استدعاء الإعلامي لطفي العماري من قبل المحكمة على خلفيّة انتقاده طائفة من القضاة بالتعامل السلبي في بعض القضايا، من بينهما قضيّة اغتيال الشهيد لطفي نقض.. ولئن منع قانون الصّحافة ابداء الرأي في الأحكام القضائية فانّ الدستور  ـ وهو أعلى درجة من قانون الصحافة ـ ضمن لكلّ تونسي حرية ابداء الرأي والتعبير دون تحديد موانع.. فالدستور هو أعلى سلطة قانونية ورغم ذلك فإنّ قانون الصحافة يتعارض معه بمنعه التعليق على الأحكام.. هذا من حيث المبدأ..
من جهة أخرى  لماذا نسمح للإعلاميين بنقد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة واعضاء مجلس الشعب ـ أحيانا بشراسة ـ بينما يُمنعون  من ابداء رأيهم في الشأن القضائي؟ فهل أصبحت بعض الأحكام التي تبدو مسيّسة من الممنوعات حتى يستمرّ البعض في اصدار أحكام غريبة مثل الحكم على من نفّذوا عملية احراق منزل مدير قناة نسمة بخطية مالية لا تتجاوز قيمتها تسعة (9) دنانير؟! وعندما نلاحظ بعض الغرائب في قضيّة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، من حقنا ان نتساءل عن «الغموض والقرارات» القضائية.. ومع هذا، عندما نسمع وزير الداخلية يتساءل عن الإفراج السريع عن بعض المتهمين في عمليات ارهابية من قبل قضاة أو  عندما نستمع لانتقادات أمنيين، يحقّ لكلّ مواطن ان يستفسر وان يعلّق علما ان عددا هاما من القضاة لا تشملهم هذه الاتهامات، فهم حريصون على تطبيق القانون دون الخضوع إما لقناعاتهم السياسية او لضغط بعض الأحزاب النافذة..
لقد عبّر الإعلامي لطفي العماري عن قلق عدد هامّ من التونسيين اثر اصدار حكم يقضي ببراءة من وقع اتهامهم في قضية قتل اغتيال الشهيد لطفي نقض وقد أكّد الحكم انّ الشهيد توفي اثر سكتة قلبيّة ـ والحمد لله انه لم يتوفّ بسكتة كلويّة أو «وذنيّة» أو «رجلية»! ـ  علما انّ السكتة القلبية نتجت عن تعنيف المتشدّدين الذين وعد واحد منهم بعد اطلاق سراحه بأنه سيواصل نضاله اي عمليّات «التطهير»!
بكلّ صراحة، ان طائفة كبيرة من الرأي العام التونسي تتساءل عن دوافع بعض الأحكام القضائية الغريبة، وأمّا من جهتي فأطالب بتنقيح مجلة الصحافة وخاصّة الفصل الذي يمنع ابداء الرأي في بعض الأحكام لأنّ للإعلام وفي كل الديمقراطيات دورا محوريّا في تفادي اي انعراج يجعل الظالم مظلوما والمظلوم ظالما..
انّ لي عديد الأصدقاء من القضاة وأنا احترمهم نظرا لعدالة أحكامهم لكن هذا لا يمنعني من ان أناقش أحكاما يرفضها العاقل خاصة ان حكومتي الترويكا حاولتا توظيف بعض القضاة للنيل من معارضيها..

للأمانة كنت انتظر موقفا فوريا صارما وحازما من جمعية مديري الصحف ونقابة الصحافيين دفاعا عن لطفي العماري لأنه في غياب حرية اعلام لا يمكن بناء اي نظام سياسي أو اجتماعي أو قضائي عادل..انّي اطالب بعدم تتبّع الزّميل لطفي العماري لأنّه من مصلحة تونس ان يقع انتقاد بعض الأحكام في قضايا سياسيّة أو حتى غيرها والتي تثير استغراب الأغلبية الساحقة من الشعب ولا ترضي سوى قلة منه مثل المتشدّدين دينيا!
وأنهي بالتعبير ـ مرّة أخرى ـ عن تضامني المطلق مع الزّميل لطفي العماري.

المصدر: الجمهورية