شاه محامية شهداء وجرحى الثورة ليلى الحداد: جلســات الاستمــاع لضحايا الأنظمة السابقة قضت على مخطّط عودة النظام السابق

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / محامية شهداء وجرحى الثورة ليلى الحداد: جلســات الاستمــاع لضحايا الأنظمة السابقة قضت على مخطّط عودة النظام السابق / Video Streaming

الاعلام التونسي حاول قبر الثورة التونسية

قتلة الشهيدين حاتم بالطاهر ورياض بوعون في حالة سراح ويتمتعون بكل الامتيازات

ثورة البرويطة تشرّفني، وبها صار البعض نجوما

القضاء لم يستقل بــعـد

يعدّ ملف شهداء الثورة التونسية وجرحاها من أعقد المحاور التي تناولها القضاء التونسي في السنوات الأخيرة، وهو ما قد يفسر عدم البتّ في مجمل هذه القضايا بعد قرابة الست سنوات من قيام الثورة التونسية، كما أن ما جاء على لسان عائلات الشهداء والجرحى مؤخرا خلال جلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة، والاتهامات التي جاءت على لسان جل العائلات، وخاصة تلك التي تم توجيهها الى القضاء العسكري، يدفعنا للبحث في مصير هذه القضايا والى ما آلت اليه، والى جملة العراقيل والصعوبات التي تواجهها، وان كانت هناك فعلا اطراف تسعى الى طمس الحقائق واغلاق الملفات، حول كل هذه المواضيع، وغيرها كان لنا حوار مع محامية شهداء وجرحى الثورة الاستاذة ليلى حداد، التي حدثتنا عن مصير هذه القضايا، ومسائل اخرى ندعوكم للاطلاع عليها :

كنت من بين المدعوين لجلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة، فماذا استخلصت من تلك الشهادات؟
دون الدخول في كواليس تلك الجلسات، أعتقد ان ما حصل ايجابي جدا، رغم ان الشهادات المقدمة لا تتجاوز 1 بالمائة من معاناة ضحايا ومناضلي الاستبداد، نسبة ضئيلة جدا لكنها كانت كافية حسب تقديري ليفهم الشعب التونسي مدى فظاعة التعذيب خلال الانظمة السابقة، كما انها كافية لتنسينا 3 سنوات من تبييض القنوات التلفزية لنظامي بورقيبة وبن علي، حيث ساهمت هذه الشهادات في انهيار كل الاكاذيب والتدجين الاعلامي للشعب التونسي، الذي صار حسب اعتقادي يمتلك مناعة كافية ضد كل البلاتوهات والمسرحيات الاعلامية ..
صدقا لقد تحولت البلوتوهات الاذاعية والتلفزية طيلة 3 سنوات الى محاكمات لا للجلادين بل لعائلات الشهداء وللثورة ككل حتى بات جزء لا بأس به من الشعب التونسي يتحسر على أيام المخلوع وبات الجميع يبحث عن حلول لعودة النظام السابق وكأن شيئا لم يكن، من جهة اخرى اشير الى ان ما سرده الضحايا من ظلم وقهر وتعذيب وتهجير لا يعكس الفظاعة الحقيقية والعذاب الحقيقي لأن ما عاشوه كان أسوأ من ذلك بكثير، وبفضل شهداء الثورة نال هؤلاء مساحة للحديث عن ماضيهم وقساوة الأنظمة السابقة .
ان جلسات الاستماع لضحايا الأنظمة السابقة ولعائلات الشهداء هي زاوية ايجابية جدا في مسار العدالة الانتقالية، وبينت انه ومهما اختلفنا فكريا وايديولوجيا ففي النهاية من تعرض للظلم سواء من اليسارين او الاسلاميين او ضحايا الحوض المنجي هو انسان في نهاية المطاف .
لكن هناك اصوات اكدت ان ما تم تمريره هو عبارة عن مسرحية، وان جلسات الاستماع لضحايا الاستبداد من شأنها ان تربك الاوضاع في البلاد؟
من الطبيعي جدا ان نجد اصواتا تقف ضدّ مسار العدالة الانتقالية، وضدّ فضح تجاوزات الأنظمة السابقة وان تشكك في الشهادات، رغم ان كل ما جاء في جلسات الاستماع، منشور لدى المحاكم التونسية وكل التفاصيل التي وردت على ألسنة العائلات والضحايا موثقة، فتلك الجرعة من الحقائق قضت على كل الأراجيف وتزيف الوقائع وكشفت بالملموس فظاعات الانظمة السابقة والانتهاكات زمن بورقيبة وبن علي، ان كل ما جاء على لسان الضحايا هو الحقيقة التي لا يمكن بأي حال من الأحوال طمسها… لقد وصلت الحقيقة الى كل بيت تونسي وعربي ولا مجال اليوم لمحاولات تزييفها.
اكدت ان عددا من عائلات الشهداء عبروا عن غضبهم جراء عدم دعوتهم لجلسات الاستماع، فهل من توضيح؟
شخصيا تمت دعوتي كبقية الضيوف، اي انا لم اقم بالتنسيق مع الهيئة رغم كوني صوت من اصوات عائلات شهداء وجرحى الثورة، ورغم يقيني بأن ما تم تقديمه كان مهما للغاية، فاني كنت أتمنى لو تمت دعوة ممثل عن عائلات الشهداء والجرحى عن كل مدينة تونسية لانه يوجد 300 عائلة بكامل تراب الجمهورية ومن حقهم الحضور والادلاء بشهاداتهم     كنت اتمنى الاستماع للعائلات من دقاش ودوز والحامة ونابل وزغوان وبنزرت وتوزر الذين تم حرمانهم من لحظات مهمة في تاريخ العدالة الانتقالية بتونس.
هل تعتبرين ما حصل اقصاء ام هو سهو ناجم عن سوء تنظيم؟
لا يمكنني الحكم على النوايا، لكن وكما اخبرتك هذا ما تمنيته، مع العلم فقد اتصلت بي عديد العائلات خلال جلسات الاستماع، لكن لم اجد اجابة مقنعة لامدهم بها، ورغم كوني غير مسؤولة لا عن الدعوات ولا عن التنظيم فاني اقدم اعتذراتي لكل العائلات ولقاؤنا في محطات نضالية قادمة .
قلت « ثورة البرويطة» تمثلني، فلماذا وصفت الثروة بهذا اللفظ، وما الذي جعلك تقولين مثل هذا الكلام؟
لأننا وصلنا الى مرحلة صوّر فيها الاعلام التونسي البوعزيزي مذنبا، وتم تقديم عائلته في صورة العائلة الانتهازية التي غادرت تونس في اتجاه كندا كما تم تشويه الصورة الرمزية لهذه العائلة دون الحديث عن المضايقات التي تعرضت اليها هذه العائلة والتي دفعتها لمغادرة البلاد، لقد سخر الاعلام التونسي في السنوات الاخيرة من البوعزيزي بطريقة سيئة، وبات البعض يصف الثورة التونسية التي راح ضحيتها عشرات الشهداء بثورة البرويطة، متجاهلين انه لولا هذه الثورة لما استطاع احدهم الكلام بحرية، وهو ما دفعني الى القول بان ثورة البرويطة تمثلني لان من سقطوا خلال الثورة لم تكن لديهم اي حسابات سياسية او ايديولوجية لقد رفعوا معا شعارات تنادي بالعدالة الاجتماعية والحرية والتنمية والمساواة ..هم من صنعوا حريتنا اليوم، لقد اردت القول بان مسار الثورة مازال متواصلا ولن يخمد …
 لقد آلمتني بعض التصريحات الصادرة عن بعض الاعلاميين على غرار مي القصوري ولطفي العماري وغيرهما، فهؤلاء يتجاهلون انه لولا ثورة البرويطة لما اصبحت لهم مكانة ولما عرفهم الجمهور الواسع، هؤلاء الذين لم يكن لهم وجود قبل 14 جانفي، بل كانوا يدسون رؤوسهم في التراب بحضور المخلوع ولا يترددون اليوم من السخرية من ثورة صنعت منهم نجوما .. وشخصيا اصبحت الاستاذة ليلى الحداد بفضل شهداء الثورة ولم ولن انكر ذلك ..
لماذا كل هذا التحامل على وسائل الاعلام، ولماذا اتهمتها بتبييض الأنظمة السابقة ؟
لسبب بسيط، وهو لو أنكم تقومون باحصائيات بسيطة، ستكتشفون أن جميع البلاتوهات دون استثناء، تتكالب على دعوة رموز النظام السابق، من محامين الى كوادر سياسية وغيرها، في تجاهل تام ومتعمد لكل من دافع عن قضايا شهداء الثورة، ولعائلات الشهداء والجرحى، ولرموز الثورة، فكل البرامج سعت جاهدة الى تقديم رؤية واحدة ووجهة نظر واحدة دون منح الطرف المقابل حتى حق الردّ، في تزييف تام للوقائع وهنا استحضر احدى حلقات برنامج «لمن يجرؤ فقط» التي استضاف فيها سمير الوافي كلا من الغرياني والودرني، الذي كتب خطاب بن علي يوم  13 جانفي، وقد كانت تلك الحلقة حبلى بالمغالطات والاكاذيب، ولو تجرأ الوافي على دعوة طرف مقابل لكشفت كل الحقائق الموثقة في الاستنطاقات بالمحاكم العسكرية والمغايرة تماما لما قالوه في تلك الحلقة ..بصفة عامة المرجعية التاريخية لكل القنوات التونسية معروفة، وهي تحاول اليوم بشتى الطرق اعادة المشهد القديم بترحّمها المستمر على النظام السابق، في غياب كلي لكل المناضلين، وشخصيا اتحدى هذه القنوات ان تقوم بدعوة عائلة الشهيد حاتم بالطاهر ، او عائلة الشهيد عبد القادر المكي أو أم السعد .
شعارات الثورة تحققت أم ضاعت أم اختفت أم انها مازالت قائمة؟
 شعار «شغل .. حرية.. كرامة وطنية» هو شعار مرتبط بالأساس بشباب الثورة، وخاصة بأبناء الجهات الداخلية،  الذين رفعوه دون أن تكون لديهم أي خلفيات ايديولوجية أو سياسية، وقدموا من أجله الشهداء في الوقت الذي كانت فيه النخبة السياسية المسيطرة اليوم على المشهد غائبة، لكنها هي التي استفادت اولا واخيرا من شعار الثورة.
لقد اسقط الشعار فعلا بن علي لكنه لم يتمكن من اسقاط النظام، وذلك لان المعارضة السياسية لم تتمكن من تحقيق مسار الثورة من مطالب اجتماعية والقضاء على الفقر والتهميش، لقد كان الشعار  واحدا لكنه صار بعد الثورة شعارات اتسمت بطابع سياسي وايديولوجي وقسمت الشعب، ولعل ضعف المجتمع المدني ساهم بدوره في هذا التشرذم.
 للاسف نجد اليوم النخبة السياسية الغائبة ايام الثورة تتصدر المشهد في حين يقبع شباب الثورة في السجون حتى يكون عبرة لغيرهم ولكل من يطالب بالتغيير او يفكر في رفع الشعار مجددا.
لقد ضاعت مضامين شعار الثورة في زحام الصراع الايديولوجي، والطبقة السياسية الانتهازية والمتمعشة في ظل غياب شخصية وطنية تحتوي الجميع، كما ان الفساد الاخلاقي والقيمي والمالي والسياسي طغى على كل المطالب، دون ان انسى ان سيطرة سياسة الافلات من العقاب، ومحاسبة كل من قتل واجرم ونهب ثروات البلاد، وغياب القوانين الزجرية ساهم في انتشار الفساد، والقضاء على ما تبقى من احلام شباب الثورة امام غياب كلي لطبقة سياسية وطنية  شعار «شغل .. حرية .. كرامة وطنية»، لم يتحقق بعد ست سنوات لكن الامل مازال قائما و مسار كل الطفيليات هو الاقتلاع ولا بقاء سوى للشرفاء الصادقين، سينتهي العفن السياسي  لأن المشوار متواصل.
تحدثت عن محاولات لاسكاتك، فمن يحاول اخماد صوت ليلى الحداد؟
شخصيا لا احبذ الحديث عن نفسي كثيرا، لأن واجبي كمحامية هو الدفاع عن كل مظلوم، واعتبر نفسي جندية من الجنود تدافع عن القضايا المؤمنة بها، كما اني اخترت طريقي ويجب ان اتحمل كل النتائج التي تترتب عن هذا الاختيار، فأنا ادافع اليوم عن شهداء وجرحى ضدّ نظام مازال قائما الى اليوم ..
بصفة عامة لقد تعرض مكتبي الى الخلع مرتين، وتم تحطيم كل المعدات بداخله، وسجلت القضية ضدّ مجهول، كما تم اقتحام منزلي خلال شهر رمضان، كما تلقيت في السابق تهديدات عبر رسالة تسلمها الحارس الليلي لمقر اقامتي من قبل شخصين كانا على متن فيسبا قالا فيها بأنهما يعلمان مكان اقامتها والرقم المنجمي لسيارتها وسيرجعان في الوقت المناسب، هي محاولات لاسكاتي من اطراف معلومة لكنها لن تنجح في ذلك .
وما سرّ تهجم زميلتك لمياء الفرحاني عليك واتهامك بقبر ملف الشهداء؟
احتراما لمهنتي ولعباءة المحاماة التي ناضلت من اجلها  لن اجيب هذه المحامية، وسألتزم الصمت  ولن امنح الفرصة لأي شخص للصعود على حسابي..
ماهو جديد قضية شهداء وجرحى الحامة ودوز؟
لقد تأخرت قضية الحامة الى يوم 12 جانفي 2017 ، وقضية دوز الى 11 جانفي 2017، ولو تلاحظون فان هذه التواريخ تتزامن عن قصد مع مع ذكرى الثورة، وهو اكبر دليل على كون كل شيء مبرمج له مسبقا.
وهنا أشير الى أن قضية شهداء وجرحى الحامة تعتبر اطول قضية في الاستئناف العسكري منذ نوفمبر 2014، وقد تم تأخيرها مؤخرا لتنفيذ الحكم التحضيري بجرد الاسلحة والذخيرة بمركز الحامة، حيث لم تستجب وزارة الداخلية لهذا الحكم وماطلت كثيرا لتنفيذ القرار.
وماذا عن قضية الشهيدين حاتم بالطاهر ورياض بوعون، خاصة وان المتهمين في حالة سراح اليوم؟
لقد تم تأجيل القضية الى يوم 11 جانفي 2017، وهنا اشير الى أن قاتل الشهيد حاتم بالطاهر محكوم عليه ابتدائيا بالمحكمة العسكرية بصفاقس خمس عشرة سنة بتهمة القتل العمد واستئنافيا بتنزيل العقاب الى ثماني سنوات وهو في حالة سراح يتمتع بجميع امتيازاته المهنية والوظيفية، وبالنسبة الى قاتل الشهيد رياض بوعون، فقد حكمت المحكمة العسكرية بعدم سماع الدعوى ولكن تم تعقيب الحكم،حيث قبل التعقيب واعيد الملف الى المحكمة العسكرية لكن بدائرة اخرى .
تم استئناف الحكم في قضية الجريح مهران عمروسي، فهل من تفاصيل ؟
منذ خمس سنوات ونحن نخوض معركة من اجل انصاف الجريح مهران عمروسي الذي تمت إصابته بسلاح المتهم ففقأ عينه وأتلفها وذلك يوم 13 جانفي 2011 بمدينة الفحص على اثر خروج مسيرة سلمية والقضية يتقاذفها التحقيق بدائرة الاتهام فالتعقيب بعد سلسلة من المكافحات وسماع الشهود والاختبارات الطبية  التي أكدت تورط المتهم في محاولة قتل مهران ، لكننا لم نستسلم وانتظرنا قرار محكمة التعقيب التي أكدت ان سير القضية متجانس مع الجريمة المرتكبة واقعا وقانونا، وتم نشر القضية بالدائرة الجنائية بالمحكمة العسكرية بتونس وصمدنا امام تأخير القضية لجلسات عدة امتدت لأكثر من سنة في انتظار جلسة المرافعة .
وماذا عن القضاء المدني، هل ترين فيه الحلّ والمنجد؟
اطلاقا لا، فالقضاء لم يستقل بعد ، وليست لدي اية ثقة فيه.
والحلّ؟
مواصلة النضال والدفع نحو استقلالية القضاء وارساء مفهوم جديد للمحاسبة وهذه هي مهمتنا، لأن المشهد العام الحالي يتجه نحو المصالحة، بل لا استغرب ان نحمل مستقبلا عائلات شهداء وجرحى الثورة المسؤولية، وهذا ما لن نسمح به.

حاورتها: سناء الماجري

المصدر: الجمهورية