شاه المنصف بن مراد يتساءل: مـــاذا ينتـظـــــرون والخيانات تتهاطل؟

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / المنصف بن مراد يتساءل: مـــاذا ينتـظـــــرون والخيانات تتهاطل؟ / Video Streaming

أبغض وأكره شيء في حياة المواطن أو الشعب هو الخيانة لأنّه في غياب الصدق لا يمكن بناء مشروع جدّي وانقاذ البلاد.. فمن وعد ولم يف كذب على النّاخبين وثبت أنّه استعملهم مطية للوصول الى كرسي الحكم، وهكذا بات الكذب ثقافة مستشرية بين سائر الناس وسلاحا بأيدي عدد من السّياسيين.
ففي عهد الترويكا ـ على سبيل المثال ـ  كثرت الخيانات وكذبت أغلبية الطبقة الحاكمة وتركت العنف والارهاب ينتشران والدولة تنهار والأمن يخترق وأنصار الشريعة ينظّمون تظاهرات ويقدمون اعانات للفقراء،  كما صارت الحدود معبرا لكلّ متشدد وبيده جهاز تنصّت على الهواتف أو تجسّس على الحواسيب أو سلاح وكذلك لإرهابي مقنع أو للعملة الصعبة.. وفي عهد الترويكا تمّ اختراق الإدارة وتوظيف ما يناهز 70.000 «مناضل» سياسي والسّماح لكبار المهرّبين بالمتاجرة بحدودنا وتمويل بعض الأحزاب وقتل بعض رموز السياسة أو السماح بانهيار الاقتصاد وسيطرة المتشدّدين على المساجد، كلّ ذلك دون ذكر الانبطاح للسّفارات الغربية ولبعض الدول الخليجيّة.

ثم جاءت حكومتا مهدي جمعة والحبيب الصيد ولكن لم يتغير الكثير ما عدا الخطاب مع الاعتراف بأنّ الحرب على الارهاب عرفت بعض النّجاحات رغم باردو وسوسة وشارع محمد الخامس، لكن الأمور تأزّمت مع هاتين الحكومتين اللتين لم تنجحا في ايجاد حلول جدّية للمشاكل العويصة.. ثم جاءت حكوة يوسف الشاهد ولم تتغيّر أشياء كثيرة وكأنّ رئيس الحكومة الجديدة سيطبّق ما كان يستعدّ مهدي جمعة والحبيب الصيد إنجازه، اي اجراء «اصلاحات» ستساهم في تفقير الفقراء والطبقات الوسطي وتونس تمرّ بمرحلة دقيقة على الصعيد الاجتماعي..
لقد كنت انتظر تسمية رجلين من حديد في وزارتي الداخلية والدّفاع لكن التوازنات البرلمانية وتحالف راشد الغنوشي والباجي قايد السبسي شاءت  ـ ورغم بعض النتائج الايجابيّة ـ  غير ذلك.
وفضلا عن ذلك لن نجانب الحقيقة إذا قلنا انّ كلّ المشاكل التي تمرّ بها تونس سببها هذا التحالف بين النداء والنهضة وهو غير الطّبيعي ومضرّ بالبلاد، مع التذكير بأنّي لست مع اقصاء النهضة من السلطة لكنّي أنادي بالاستقلاليّة التامّة لوزيري الدّفاع والداخلية وعدم تعيين مسؤول من النهضة على  رأس لجنة الأمن والدّفاع في مجلس الشعب وعدم اشراك ايّ نائب مشبوه فيه صلب هذه اللجنة.. انّ تونس أهمّ من كل حزب مهما كان اسمه أو إيديولوجيّته لكن الأحزاب تراوغ فتعلن عن برنامج قبل الانتخابات وتنفذ آخر بعد مرورها بسلام من مكاتب الاقتراع..

أعود الى ما أعني بالخيانة، وهو عدم الدّفاع بشراسة عن مصالح بلادنا والاهتمام بمصالح حزبية أو عقائديّة عوض الذود عن تونس وشعبها!
ومن الخيانات الكبرى، ترك كبار المهرّبين يعيثون في البلاد فسادا والسماح لهم بتكديس أموال طائلة يقدّمون جزءا منها لبعض الأحزاب ولبعض الشخصيات النافذة ولبعض الاعلاميين ولبعض المسؤولين ثم تراهم يتعاملون مع الارهابيين سواء بصفة مباشرة او غير مباشرة ويستوردون جميع أنواع البضائع وحتى الأسلحة! ويبقى سؤال مطروحا: لماذا لم تتحرّك أيّة حكومة ضدّهم؟ انّ الجواب واضح، فبارونات التهريب موّلوا أهمّ الأحزاب وبعض «الشخصيات» السياسية الذين ينتفعون بأموالهم وأحيانا بشبكاتهم.. انّ هذا التخاذل وغياب الحزم ضرب من الخيانة، علما انّ اسماء كبار المهرّبين معروفة ومخازنهم يمكن تحديدها في سويعات.. فلا يكفي محاربة صغار المهرّبين أو مهاجمة عدد قليل من المخازن بحضور ممثلين لبعض أجهزة الإعلام طالما أنّ أغلب المسؤولين في الولايات واتحاد الشغل يعرفون أسماء كبار المهرّبين فما بالك بكبار الأمنيين المطلعين على كلّ صغيرة وكبيرة. ان أكثر ما يحيّرنا هو كيف يقع الضغط على الأجراء ولا يقع فرض العدالة الجبائيّة واجبار كبار المهرّبين على ارجاع نسبة من الأموال التي بحوزتهم (نهبوها) وهي تناهز 60.000 مليار من مليماتنا! انّ عدم التصدّي لهذه الظاهرة الاجراميّة نوع من الخيانة للوطن وللشعب.
انّ معضلة تونس وعدد من التونسيين هي الخيانة واحسن دليل على ذلك كسلنا وعدم ايماننا بالتضحيّة والتفاني في العمل.. نحن نريد تحسين أجورنا دون شقاء ولا عناء والحال ان تونس تمر بأزمات على جميع الأصعدة.. وللتذكير فانّ دراسات وعمليات مراقبة كشفت انّ التونسي يعمل عامة بجدية أقلّ من عشر دقائق في اليوم الواحد بينما اصبح شهر رمضان شهر العطل المقنعة!

انّ الخيانات المعلنة وغير المعلنة ـ مهما كان مصدرها وحجمها ـ ستضرّ بمستقبلنا، كيف لا والضمير بات بضاعة نادرة والقيم انهارت في المجتمع التونسي بما في ذلك احترام الحياة (القتل، الانتحار).. لقد أضحى عدد هام من شعبنا من عبدة المال وهم يستمتعون بما يجنون من عائدات جزاء كسلهم وانعدام الوعي لديهم..
في الختام أذكر شفيق جراية بأني من بين الإعلاميين الذين لم يقع شراؤهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة كما انّ صحافيين واعلاميين آخرين مازالوا يدافعون بشراسة عن مصالح تونس وحرية الإعلام ولن يقدر أيّ كان على شراء ذممهم.

المصدر: الجمهورية