شاه القلم الحر: هل آيات الله اﻹيرانيين أكثر انفتاحا على اﻹبداع السينمائي من حكامنا الديمقراطيـيـن واﻹسـلامــيـيـن؟

القائمة الرئيسية

الصفحات

شاهد الفيديو / القلم الحر: هل آيات الله اﻹيرانيين أكثر انفتاحا على اﻹبداع السينمائي من حكامنا الديمقراطيـيـن واﻹسـلامــيـيـن؟ / Video Streaming

بقلم الأستاذ عفيف البوني

في إيران ومنذ 1979 يحكم حكام  يحملون صفات آيات وأرواح الله بدستور يصفونه باﻹسلامي ويعلو عليه بعض من ذكرنا ومنهم المرشد اﻷعلى، وبغض الطرف عن علوية مرجعية آيات الله على الدستور، وعن البعد الديني والطائفي المعقد في ايران وانعكاساته المدمرة اقليميا منذ ان تلوثت السياسة بالطائفية تحت شعار الدين، فإن ذلك لم يمنع من ظهور ابداع إيراني غير مسبوق في مجال السينما في مستوى انتاج المسلسلات واﻷفلام ، أعني تلك التي تجسد قصصا لشخصيات دينية وتاريخية، لبعض اﻷنبياء كيوسف او لبعض الصحابة، وأخيرا الفيلم اﻹيراني: محمد رسول الله، للمخرج مجيد مجيدي وذلك عن الفترة اﻷولى من حياته قبل النبوة أي قبل ان يصبح شخصية مقدسة.
في هذه اﻷعمال السينمائية اﻹيرانية انتاجا، ابداعا، اخراجا وتمويلا في عهد حكم اوتوقراطي يعتبر الحكام فيه انفسهم، نوابا لله، وباسمه يمارسون السياسة، حتى وهم قد نصوا في الدستور على المرجعية الشيعية الجعفرية.. في هذه اﻷعمال وجد المشتغلون بالسينما ابداعا ممتازا وجرأة وذكاء في التناول في غير المألوف من المسكوت عنه الممنوع عن جهل من طرف اﻷسلاف بتعلة تحريم الإسلام للتجسيد والتمثيل..
وقد قيل ان الفيلم يخلو من التزييف والتشويه والتجسيد لملامح النبي، وهي ملامح لم يعرفها ولم يشاهدها اﻻ من عايشوا النبي مباشرة كالصحابة، وكتب السيرة والحديث تحفل بأوصاف وصفات ووجه وصوت وملامح وقامة وهيئة النبي، ولم يقع تكفير من كتبوا تلك التوصيفات واﻻوصاف لهذه الشخصية المقدسة.
ان ما يحزن العقلاء في تونس ان يصدر تصريح من موظفة باسم وزارة الثقافة( صارت أحيانا تفتي في اﻹبداع باسم الدين )بأنه من المستبعد السماح بعرض هذا الفيلم في تونس!

أتساءل هل وصل اﻷمر أن يصبح آيات الله المحافظون والحاكمون في نظام اوتوقراطي سالب ﻷكثر الحريات والحقوق المتصلة بالكرامة البشرية بمعايير اليوم، هل أصبحوا، أكثر انفتاحا بمنطق الدين من رجال الإسلام السياسي ومن الواصفين انفسهم بالديمقراطيين والحداثيين الحاكمين في بلادنا اليوم؟ أيعقل ان يكون موقف السلطة في إيران إزاء هذا النوع من اﻹبداع أقرب إلي وإلى المنطق والى الفن من الموقف الغريب او الجبان او المرتجل اوالمتردد او المتهرب او الرافض لعرض الفيلم المذكور؟ هذا غير معقول أن يحدث في تونس اليوم!
ان الحكم على اﻹبداع السينمائي ايجابا او سلبا محصور فقط بالمختصين مخرجين ونقادا ثم المتفرجين ومن يرفض الحق في انتاج هذا اﻹبداع، له فقط الحق في عدم مشاهدته وليس في منع اﻵخرين من ذلك، ويبقى من حق المؤرخين الموضوعيين أن يحكموا على هذا الفيلم ان هو حرف التاريخ الحقيقي كما تشهد به الشواهد الموضوعية.

ليس من حق وزارة الثقافة وﻻ وزارة الشؤون الدينية وﻻ المجلس اﻹسلامي اﻷعلى وﻻسماحة مفتي الديار التونسية وﻻ أي حزب يتكلم في الدين، ليس لكل هؤﻻء أية سلطة وﻻ كفاءة وﻻ وكالة وﻻ أهلية في أن يختاروا أو أن يرفضوا ما يبدعه التونسيون أو اﻹيرانيون، أو ما يشاهدون أو ﻻ يشاهدون، ليس لهم وصاية على العقول والقوانين والحريات الدينية ﻻتسمح لهم بذلك، وإن منع مشاهدة التونسيين لأي فيلم هو مخالف للدستور وانتهاك فاضح لحقوق اﻹنسان، بغض الطرف عن إن كان الفيلم المذكور والذي لم أشاهده،  ممتازا أو رديئا وهل هو موضوعي وأمين من الناحية التاريخية أم فيه مجانبة للحقيقة، أما التصور الديني والذاتي للمؤلف وللمخرج، فذلك مسموح به في حدود ما يتطلبه الخيال اﻹبداعي او الدرامي من حرية، ما لم تكن هناك سخرية أو تزوير للتاريخ.
من العيب أن يقع منع التونسيين من مشاهدة فيلم، ومن العيب ان تنصب وزارة الثقافة جهازها البيروقراطي مكان عقول التونسيين المشاهدين وأن تحكم على الإبداع بإسمهم كما لو كانوا غير راشدين، ومن العيب أن تطبق الدستور بشكل مغلوط، كما من العيب أن تقع الخشية من رجال الدين ومن أحزاب تتكلم باسم الدين وتكفر الإبداع، وتقدس مفهوما مغلوطا عن التجسيد، وفي ذلك تحريم للفنون والإبداع وذلك أعظم أسباب تأخرنا وانتكاس ثورتنا.

وبعد، كنت في آخر مقال قد كتبته عن حزب التحرير قد وعدت أن اكتب مقاﻻ آخر عن بيان التهديد الذي كان قد أصدره سابقا، وحيث تحرك القضاء، بات علي أخلاقيا وقانونيا ، أن ﻻ أواصل الكتابة في هذا الموضوع.

المصدر: الجمهورية